للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ الْفَخر فِي الْمَحْصُول اخْتلفُوا فِي أَنه هَل يجوز تعادل الأمارتين فَمنع الْكَرْخِي مِنْهُ مُطلقًا وَجوزهُ الْبَاقُونَ

ثمَّ المجوزون اخْتلفُوا فِي حكمه عِنْد وُقُوعه فَعِنْدَ القَاضِي أبي بكر منا وَأبي عَليّ وَأبي هَاشم من الْمُعْتَزلَة حكمه التَّخْيِير وَعند بعض الْفُقَهَاء حكمه أَنَّهُمَا يتساقطان وَيجب الرُّجُوع إِلَى مُقْتَضى الْعقل

وَالْمُخْتَار أَن نقُول تعادل الأمارتين إِمَّا أَن يَقع فِي حكمين متنافيين وَالْفِعْل وَاحِد وَهُوَ كتعارض الأمارتين على كَون الْفِعْل قبيحا ومباحا وواجبا وَإِمَّا أَن يكون فِي فعلين متنافيين وَالْحكم وَاحِد نَحْو وجوب التَّوْجِيه إِلَى جِهَتَيْنِ قد غلب فِي ظَنّه أَنَّهُمَا جِهَة الْقبْلَة

أما الْقسم الأول فَهُوَ جَائِز فِي الْجُمْلَة لكنه غير وَاقع فِي الشَّرْع

إِمَّا أَنه جَائِز فِي الْجُمْلَة فَلِأَنَّهُ يجوز أَن يخبرنا رجلَانِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات وتستوي عدالتهما وَصدق لهجتهما بِحَيْثُ لَا يكون لأَحَدهمَا مزية على الآخر

وَأما أَنه فِي الشَّرْع غير وَاقع فالدليل عَلَيْهِ أَنه لَو تعادلت أمارتان على كَون هَذَا الْفِعْل مَحْظُورًا أَو مُبَاحا فإمَّا أَن يعْمل بهما مَعًا أَو يتركا مَعًا أَو يعْمل بِأَحَدِهِمَا دون الثَّانِيَة وَهُوَ محَال لِأَنَّهُمَا لما كَانَتَا فِي نفسيهما بِحَيْثُ لَا يُمكن الْعَمَل بهما الْبَتَّةَ كَانَ وضعهما عَبَثا والعبث غير جَائِز على الله تَعَالَى

وَأما الثَّالِث وَهُوَ أَن يعْمل بِإِحْدَاهُمَا دون الْأُخْرَى فإمَّا أَن يعْمل بِإِحْدَاهُمَا على التَّعْيِين أَولا على التَّعْيِين وَالْأول بَاطِل لِأَنَّهُ تَرْجِيح من غير مُرَجّح فَيكون ذَلِك قولا فِي الدّين بِمُجَرَّد التشهي وَإنَّهُ غير جَائِز وَالثَّانِي أَيْضا بَاطِل لأَنا إِذا خيرناه بَين الْفِعْل وَالتّرْك فقد أبحنا لَهُ الْفِعْل فَيكون تَرْجِيحا لأمارة الْإِبَاحَة بِعَينهَا على أَمارَة الْحَظْر وَلَك هُوَ الْقسم الَّذِي تقدم إِبْطَاله فَثَبت أَن القَوْل بتعادل الأمارتين فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>