للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَنقل عَن القَاضِي أبي بكر أَنه قَالَ لَا أقبل الْمُرْسل وَلَا فِي الْأَمَاكِن الَّتِي قبلهَا الشَّافِعِي حسما للباب بل وَلَا مُرْسل الصَّحَابِيّ إِذا احْتمل سَمَاعه من تَابِعِيّ

قَالَ وَالشَّافِعِيّ لَا يُوجب الِاحْتِجَاج بِهِ فِي هَذِه الْأَمَاكِن بل يستحبه كَمَا قَالَ أستحب قبُوله وَلَا أَسْتَطِيع أَن أَقُول الْحجَّة تثبت بِهِ ثُبُوتهَا بالمتصل

وَقَالَ غَيره فَائِدَة ذَلِك أَنه لَو عَارضه مُتَّصِل قدم عَلَيْهِ وَلَو كَانَ حجَّة مُطلقًا تَعَارضا لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ مُرَاد الشَّافِعِي بقوله أستحب أخْتَار هَذَا

والْحَدِيث الْمُرْسل ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ عِنْد جُمْهُور الْمُحدثين وَكثير من الْفُقَهَاء وَأَصْحَاب الْأُصُول وَالنَّظَر وَذَلِكَ للْجَهْل بِحَال السَّاقِط من السَّنَد فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يكون غير صَحَابِيّ وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَيحْتَمل أَن يكون ضَعِيفا

وَإِن اتّفق أَن يكون الْمُرْسل لَا يروي إِ لَا عَن ثِقَة فالتوثيق مَعَ الْإِبْهَام غير كَاف

وَقَالَ بعض الْأَئِمَّة الحَدِيث الْمُرْسل صَحِيح يحْتَج بِهِ وَقيد ابْن عبد الْبر ذَلِك بِمَا إِذا لم يكن مرسله مِمَّن لَا يحْتَرز وَيُرْسل عَن غير الثِّقَات فَإِن كَانَ فَلَا خلاف فِي رده

وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي رسَالَته إِلَى أهل مَكَّة وَأما الْمَرَاسِيل فقد كَانَ يحْتَج بهَا الْعلمَاء فِيمَا مضى مثل سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ حَتَّى جَاءَ الشَّافِعِي فتلكم فِيهَا وَتَابعه على ذَلِك أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره فَإِذا لم يكن مُسْند غير الْمَرَاسِيل وَلم يُوجد الْمسند فالمرسل يحْتَج بِهِ وَلَيْسَ هُوَ مثل الْمُتَّصِل فِي الْقُوَّة

وَقَالَ ابْن جرير أجمع التابعون بأسرهم على قبُول الْمُرْسل وَلم يَأْتِ عَنْهُم إِنْكَاره وَلَا عَن أحد من الْأَئِمَّة بعدهمْ إِلَى رَأس المئتين

قَالَ ابْن عبد الْبر كَأَنَّهُ يَعْنِي أَن الشَّافِعِي أول من رده

وَقد انتقد بَعضهم قَول من قَالَ إِن الشَّافِعِي أول من ترك الِاحْتِجَاج بالمرسل فقد نقل ترك الِاحْتِجَاج عَن سعيد بن الْمسيب وَهُوَ من كبار التَّابِعين وَلم ينْفَرد هُوَ بذلك بل قَالَ بِهِ من بَينهم ابْن سِيرِين وَالزهْرِيّ

وَقد أخرج مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه عَن ابْن سِيرِين أَنه قَالَ لم يَكُونُوا يسْأَلُون عَن الْإِسْنَاد فَلَمَّا وَقعت الْفِتْنَة قيل سموا لنا رجالكم فَينْظر إِلَى أهل السّنة فَيُؤْخَذ حَدِيثهمْ وَينظر إِلَى أهل الْبدع فَلَا يُؤْخَذ حَدِيثهمْ

وَقد ترك الِاحْتِجَاج بالمرسل ابْن مهْدي وَيحيى الْقطَّان وَغير وَاحِد مِمَّن قبل الشَّافِعِي وَالَّذِي يُمكن نسبته إِلَى الشَّافِعِي فِي أَمر الْمُرْسل هُوَ زِيَادَة الْبَحْث عَنهُ وَالتَّحْقِيق فِيهِ

وَقد روى الشَّافِعِي عَن عَمه قَالَ حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَنه قَالَ إِنِّي لأسْمع الحَدِيث أستحسنه فَمَا يَمْنعنِي من ذكره إِلَّا كَرَاهِيَة أَن يسمعهُ سامع فيقتدي بِهِ وَذَلِكَ أَنِّي أسمعهُ من الرجل لَا أَثِق بِهِ قد حدث بِهِ عَمَّن أَثِق بِهِ أَو أسمعهُ من رجل أَثِق بِهِ قد حدث بِهِ عَمَّن لَا أَثِق بِهِ

وَهَذَا كَمَا قَالَ ابْن عبد الْبر يدل على أَن ذَلِك الزَّمَان كَانَ يحدث فِيهِ الثِّقَة وَغَيره

وَأخرج الْعقيلِيّ من حَدِيث ابْن عون قَالَ ذكر أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ لمُحَمد بن سِيرِين حَدِيثا عَن أبي قلَابَة فَقَالَ أَبُو قلَابَة رجل صَالح وَلَكِن عَمَّن ذكره أَبُو قلَابَة

وَأخرج فِي الْحِلْية من طَرِيق ابْن مهْدي عَن ابْن لَهِيعَة أَنه سمع شَيخا من الْخَوَارِج يَقُول بَعْدَمَا تَابَ إِن هَذِه الْأَحَادِيث دين فانظروا عَمَّن تأخذون دينكُمْ فَإنَّا كُنَّا إِذا هوينا أمرا صيرنا لَهُ حَدِيثا

قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر هَذِه وَالله قاصمة الظّهْر للمحتجين بالمرسل إِذْ بِدعَة الْخَوَارِج كَانَت فِي مبدأ الْإِسْلَام وَالصَّحَابَة متوافرون ثمَّ فِي عصر التَّابِعين فَمن بعدهمْ وَهَؤُلَاء إِذا استحسنوا أمرا جَعَلُوهُ حَدِيثا وأشاعوه فَرُبمَا سمع الرجل الشَّيْء فَحدث بِهِ وَلم يذكر من حَدثهُ بِهِ تحسينا للظن فيحمله عَنهُ غَيره وَيَجِيء الَّذِي يحْتَج بالمنقطعات فيحتج بِهِ مَعَ كَون أَصله مَا ذكرت

<<  <  ج: ص:  >  >>