وَهَذَا شَرّ أَقسَام التَّدْلِيس لِأَن فَاعل ذَلِك قد لَا يكون مَعْرُوفا بالتدليس ويجده الْوَاقِف على السَّنَد كَذَلِك بعد التَّسْوِيَة قد رَوَاهُ عَن ثِقَة آخر فَيحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ وَفِي ذَلِك من التَّدْلِيس فِي الحَدِيث مَا لَا يخفى
وَهُوَ قَادِح فِيمَن فعله عمدا
وَقد سمى ابْن الْقطَّان هَذَا النَّوْع بالتسوية بِدُونِ لفظ التَّدْلِيس فَيَقُول سواهُ فلَان وَهَذِه تَسْوِيَة
والقدماء يسمونه تجويدا فَيَقُولُونَ جوده فلَان أَي ذكر من فِيهِ من الْجِيَاد وَترك غَيرهم
وَقَالَ بعض الْعلمَاء التَّحْقِيق أَن يُقَال مَتى قيل تَدْلِيس التَّسْوِيَة فَلَا يَد أَن يكون كل من الثِّقَات الَّذين حذفت بَينهم الوسائط فِي ذَلِك الْإِسْنَاد قد اجْتمع بشيخ شَيْخه
وَإِن قيل تَسْوِيَة بِدُونِ تَدْلِيس لم يحْتَج إِلَى اجْتِمَاع أحد مِنْهُم بِمن فَوْقه وَقد وَقع فِي هَذَا بعض الْأَئِمَّة فَإِنَّهُ روى عَن ثَوْر عَن ابْن عَبَّاس
وثور لم يلقه وَإِنَّمَا روى عَن عِكْرِمَة عَنهُ فأسقط عِكْرِمَة لِأَنَّهُ غير حجَّة عِنْده
وَأما الْمُرْسل الْخَفي فَهُوَ مَا كَانَ الْإِسْقَاط فِيهِ صادرا مِمَّن عرف معاصرته لمن روى عَنهُ وَلم يعرف لقاؤه لَهُ
وَقد عرفت أَن بعض الْعلمَاء يفرق بَينه وَبَين المدلس وَبَعْضهمْ يَجعله دَاخِلا فِيهِ
وَمِمَّنْ فرق بَينهمَا الْحَافِظ ابْن حجر حَيْثُ قَالَ وَالْفرق بَين المدلس والمرسل الْخَفي دَقِيق حصل تحريره بِمَا ذكر هُنَا وَهُوَ أَن التَّدْلِيس يخْتَص بِمن روى عَمَّن عرف لقاؤه إِيَّاه فَأَما إِن عاصره وَلم يعرف أَنه لقِيه فَهُوَ الْمُرْسل الْخَفي
وَمن أَدخل فِي تَعْرِيف التَّدْلِيس المعاصرة وَلَو بِغَيْر لَقِي لزمَه دُخُول الْمُرْسل الْخَفي فِي تَعْرِيفه وَالصَّوَاب التَّفْرِقَة بَينهمَا
وَيدل على أَن اعْتِبَار اللقي فِي التَّدْلِيس دون المعاصرة وَحدهَا إطباق أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ على أَن رِوَايَة المخضرمين كَأبي عُثْمَان النَّهْدِيّ وَقيس بن أبي حَازِم عَن النَّبِي ص = من قبيل الْإِرْسَال لَا من قبيل التَّدْلِيس وَلَو كَانَ مُجَرّد المعاصرة يكْتَفى