للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَاطِل وَهَذَا مُنكر وَهَذَا صَحِيح

فَسَأَلَهُ من أَيْن علمت هَذَا هَل أخْبرك الرَّاوِي بِأَنَّهُ غلط أَو كذب فَقَالَ لَا وَلَكِنِّي علمت ذَلِك

فَقَالَ لَهُ الرجل أتدعي الْغَيْب فَقَالَ مَا هَذَا ادِّعَاء غيب قَالَ فَمَا الدَّلِيل على قَوْلك فَقَالَ أَن تسْأَل غَيْرِي من أَصْحَابنَا فَإِن اتفقنا علمت أَنا لم نجازف

فَذهب الرجل إِلَى أبي زرْعَة وَسَأَلَهُ عَن تِلْكَ الْأَحَادِيث بِعَينهَا فاتفقا فتعجب السَّائِل من اتِّفَاقهمَا من غير مواطأة فَقَالَ أَبُو حَاتِم أفعلمت أَنا لم نجازف ثمَّ قَالَ وَالدَّلِيل على صِحَة قَوْلنَا أَنَّك تحمل دِينَارا بهرجا إِلَى صيرفي فَإِن أخْبرك أَنه يهرج وَقلت لَهُ أَكنت حَاضرا حِين بهرج أَو هَل أخْبرك الَّذِي بهرجه بذلك يَقُول لَك لَا وَلَكِن علم رزقنا مَعْرفَته

وَكَذَلِكَ إِذا حملت إِلَى جوهري فص ياقوت وفص زجاج يعرف ذَا من ذَا

وَنحن نعلم صِحَة الحَدِيث بعدالة ناقليه وَأَن يكون كلَاما يصلح أَن يكون كَلَام النُّبُوَّة ونعرف سقمه ونكارته بتفرد من لم تصح عَدَالَته

وَهَذِه الْمَسْأَلَة لَيست من الْمسَائِل الغامضة فَإِن كل من اشْتغل بفن من الْفُنُون وتفرغ لَهُ وسلك مَسْلَك أَهله وَصرف عنايته إِلَيْهِ قد يحكم فِي مسَائِله بِحكم لَا يَتَيَسَّر لَهُ إِقَامَة الدَّلِيل الظَّاهِر عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لَهُ فِي نفس الْأَمر دَلِيل رُبمَا كَانَ أقوى من الْأَدِلَّة الظَّاهِرَة إِلَّا أَن الْعبارَة تقصر عَنهُ وَلذَلِك ترى المشاركين لَهُ فِي تِلْكَ الْحَال يحكمون بِمثل حكمه فِي الْغَالِب

وَمن ثمَّ اتّفق الجهابذة من الْعلمَاء على أَنه يرجع فِي مسَائِل كل فن إِلَى أَهله الْمَعْنيين بأَمْره

وعَلى ذَلِك فَلَا يستغرب أَن يُقَال إِنَّه يجب فِي الحَدِيث أَن يرجع فِيهِ إِلَى أَئِمَّة الْمَشْهُورين الَّذين تفرغوا لَهُ وصرفوا أعمارهم فِي تَحْصِيله والبحث عَن غوامضه وَعلله وأحوال رِجَاله فَإِذا ثَبت اتِّفَاقهم على شَيْء ثبوتا بَينا لم يسغْ الْعُدُول عَنهُ وَمن سلك مسلكهم تبين لَهُ مثل مَا تبين لَهُم

(لَا تقل قد ذهبت أربابه ... كل من سَار على الدَّرْب وصل)

<<  <  ج: ص:  >  >>