وَقد ذكر كثير من المؤلفين مِمَّن كَانَ بعد الْعَلامَة الْمَذْكُور قَول الإِمَام أَحْمد من غير أَن يفسروه بِمَا فسره بِهِ فكأنهم لم يطلعوا على مَا قَالَه أَو لم يظْهر لَهُم ذَلِك فَإِن بَعضهم كَانَ يمِيل إِلَى إِثْبَات كل مَا رُوِيَ على أَي وَجه كَانَ
ويدلك على ذَلِك قَول بَعضهم إِن الحَدِيث الضَّعِيف إِذا تلته الْأمة بِالْقبُولِ ينزل منزلَة الْمُتَوَاتر حَتَّى إِنَّه ينْسَخ بِهِ الْقُرْآن
وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَن حَدِيث لَا وَصِيَّة لوَارث قد جَعَلُوهُ نَاسِخا لآيَة الْوَصِيَّة مَعَ أَن بعض الْأَئِمَّة قَالَ إِن أهل الحَدِيث لَا تثبته لَكِن لما تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ صَار فِي حكم الْمُتَوَاتر
وَلَا يخفى أَن هَذَا قَول مستغرب جدا
وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن بعض الْعلمَاء الْأَعْلَام قَالَ إِن الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين إِنَّمَا نسختها آيَة الْمَوَارِيث كَمَا اتّفق على ذَلِك السّلف فَإِن الله تَعَالَى قَالَ بعد ذكر الْفَرَائِض {تِلْكَ حُدُود الله} الْآيَة
فأبان أَنه لَا يجوز أَن يُزَاد أحد على مَا فرض الله لَهُ
وَهَذَا معنى قَول النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن الله قد أعْطى كل ذِي حق حَقه فَلَا وَصِيَّة لوَارث
وَإِلَّا فَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَنَحْوه من أَصْحَاب السّنَن وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَإِذ كَانَ من أَخْبَار الْآحَاد فَلَا يجوز أَن يَجْعَل نَاسِخا لِلْقُرْآنِ
وَبِالْجُمْلَةِ فَلم يثبت أَن شَيْئا من الْقُرْآن نسخ بِسنة بِلَا قُرْآن
وَذكرنَا أَيْضا أَن ابْن حزم ذهب إِلَى أَن ذَلِك الحَدِيث متواتر فَإِنَّهُ قَالَ قد يرد خبر مُرْسل إِلَّا أَن الْإِجْمَاع قد صَحَّ بِمَا فِيهِ متيقنا مَنْقُولًا جيلا فجيلا فَإِذا كَانَ ذَلِك علمنَا أَنه مَنْقُول نقل كَافَّة كنقل الْقُرْآن فاستغني عَن ذكر السَّنَد فِيهِ وَكَانَ وُرُود ذَلِك الْمُرْسل وَعدم وُرُوده سَوَاء وَلَا فرق وَذَلِكَ نَحْو لَا وَصِيَّة لوَارث
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة قد نَشأ من رِوَايَة الْأَحَادِيث الضعيفة من غير بَيَان لِضعْفِهَا ضَرَر عَظِيم عرفه من عرفه وجهله من جَهله
وَقد شدد النكير مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه على من فعل ذَلِك وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَأَشْبَاه مَا ذكرنَا من كَلَام أهل الْعلم فِي متهمي رَوَاهُ الحَدِيث وإخبارهم عَن معايبهم كثير يطول الْكتاب بِذكرِهِ