للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقد تبين من الْبَحْث فِي هَذِه الْمَسْأَلَة والتتبع لما قيل فِيهَا أَن للمجيزين للرواية بِالْمَعْنَى ثَمَانِيَة أَقْوَال

القَوْل الأول قَول من فرق بَين الْأَلْفَاظ الَّتِي لَا مجَال للتأويل فِيهَا وَبَين الْأَلْفَاظ الَّتِي للتأويل فِيهَا مجَال فَأجَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فِي الأولى دون الثَّانِيَة نقل ذَلِك أَبُو الْحُسَيْن الْقطَّان عَن بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي

وَيقرب من هَذَا القَوْل قَول من فرق بَين الْمُحكم وَغَيره كالمجمل والمشترك فَأجَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فِي الأول دون الثَّانِي

القَوْل الثَّانِي قَول من فرق بَين الْأَوَامِر والنواهي وَبَين غَيرهمَا فَأجَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فِي الأولى دون الثَّانِيَة

قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ وَشرط الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى أَن يكون مَا جَاءَ بِهِ مُسَاوِيا للْأَصْل فِي الْجلاء والخفاء وَإِلَّا فَيمْتَنع كَقَوْلِه ص = لَا طَلَاق فِي إغلاق

فَلَا يجوز التَّعْبِير عَن الإغلاق بِالْإِكْرَاهِ وَإِن كَانَ هُوَ مَعْنَاهُ لِأَن الشَّارِع لم يذكرهُ كَذَلِك إِلَّا لمصْلحَة

وَجعلا مَحل الْخلاف فِي غير الْأَوَامِر والنواهي وجزما بِالْجَوَازِ فيهمَا ومثلا الْأَمر بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اقْتُلُوا الأسودين الْحَيَّة وَالْعَقْرَب

فَيجوز أَن يُقَال أَمر بِقَتْلِهِمَا وَالنَّهْي بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء

فَيجوز أَن يُقَال نهي عَن بيع الذَّهَب بِالذَّهَب إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء

القَوْل الثَّالِث قَول من فرق بَين من يستحضر لفظ الحَدِيث وَبَين من لَا يستحضر لَفظه بل نَسيَه وَإِنَّمَا بَقِي فِي ذهنه مَعْنَاهُ فَأجَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى للثَّانِي دون الأول وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورا بأَدَاء الحَدِيث كَمَا سَمعه وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون بروايته بِاللَّفْظِ فَلَمَّا عجز عَن ذَلِك بِسَبَب نسيانه لم يبْق فِي وَسعه إِلَّا رِوَايَته بِالْمَعْنَى فَإِذا أَتَى بِلَفْظ يُؤَدِّي ذَلِك الْمَعْنى فقد أَتَى بِمَا فِي وَسعه قَالَ تَعَالَى {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا}

وَهَذَا القَوْل أقوى الْأَقْوَال لِأَن الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى إِنَّمَا أجازها من أجازها من الْعلمَاء الْأَعْلَام للضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة إِلَّا فِي هَذِه الصُّورَة وَإِلَّا فَلَا يظنّ بِذِي كَمَال

<<  <  ج: ص:  >  >>