النُّطْق وَهُوَ مَعَ ذَلِك ضَعِيف فِي الْقيَاس فَهَذَا وَنَحْوه مِمَّا لَا بُد فِي أَدَائِهِ وتصحيحه للسمع من مشافهة توضحه وَتكشف عَن غامض سره
فَإِن قيل فَلم جَازَ فِي الفتحة أَن ينحى بهَا نَحْو الكسرة والضمة وَفِي الكسرة أَن ينحى بهَا نَحْو الضمة وَفِي الضمة أَن ينحى بهَا نَحْو الكسرة على مَا قدمت ومثلت وَلم يجز فِي وَاحِدَة من الكسرة والضمة أَن ينحى بهَا نَحْو الفتحة
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن الفتحة أول الحركات وأدخلها فِي الْحلق والكسرة بعْدهَا والضمة بعد الكسرة فَإِذا بدأت بالفتحة وتصعدت تطلب صدر الْفَم والشفتين اجتازت فِي مرورها بمخرج الْيَاء وَالْوَاو فَجَاز أَن تشمها شَيْئا من الكسرة أَو الضمة لتطرقها إيَّاهُمَا وَلَو تكلفت أَن تشم الكسرة أَو الضمة رَائِحَة من الفتحة لاحتجت إِلَى الرُّجُوع إِلَى أول الْحلق فَكَانَ فِي ذَلِك انْتِقَاض عَادَة الصَّوْت بتراجعه إِلَى وَرَاءه وَتَركه التَّقَدُّم إِلَى صدر الْفَم والنفوذ بَين الشفتين فَلَمَّا كَانَ فِي إشمام الكسرة أَو الضمة رَائِحَة الفتحة هَذَا الانقلاب والنقض ترك ذَلِك فَلم يتَكَلَّف الْبَتَّةَ
فَإِن قلت فقد نراهم نَحوا بالضمة نَحْو الكسرة فِي مذعور وَابْن بور وَنَحْوهمَا والضمة كَمَا تعلم فَوق الكسرة فَكَمَا جَازَ لَهُم التراجع فِي هَذَا فَهَلا جَازَ أَيْضا فِي الكسرة والضمة أَن ينحى بهما نَحْو الفتحة
فَالْجَوَاب أَن بَين الضمة الكسرة من الْقرب والتناسب مَا لَيْسَ بَينهمَا وَبَين الفتحة فَجَاز أَن يتَكَلَّف نَحْو ذَلِك بَين الضمة والكسرة لما بَينهمَا من التجانس فِيمَا قد تقدم ذكره فِي صدر هَذَا الْكتاب وَفِيمَا سَنذكرُهُ أَيْضا فِي أماكنه وَهُوَ مَعَ ذَلِك قَلِيل مستكره أَلا ترى إِلَى كَثْرَة قيل وَبيع وغيض وَقلة نَحْو مَرَرْت بمذعور وَابْن بور
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute