وَالظَّاهِر أَن تصريحه بذلك لَا يرفع عَنهُ اللوم فِي كثير من الْمَوَاضِع مَعَ إِمْكَان الْإِشَارَة إِلَى مَوَاضِع الْحَذف
وَأرى أَن المختصرين الَّذين يحبونَ أَن يحافظوا على الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة فِي الأَصْل وَلم يبدلونها بِأَلْفَاظ من عِنْدهم غير أَنهم يرَوْنَ حذف بعض الْعبارَات الَّتِي لَا يتَعَلَّق بهَا غرضهم أَن يضعوا فِي مَوَاضِع الْحَذف رَأس الْقَاف إِشَارَة إِلَى ذَلِك وَهِي مذكرة بِلَفْظ قَالَ الَّتِي جرت عَادَتهم باستعمالها فِي مثل هَذَا الْموضع وَكنت قَدِيما أَضَع رَأس الْفَاء إِشَارَة للفظ الْحَذف على أَنه لَو لم تُوضَع نقطة أصلا لم يكن بَأْس لامتياز هَذِه الصُّورَة بِنَفسِهَا وَهَذِه الْعَلامَة مهمة فَإِنَّهُ قد يعرض فِي بعض الْمَوَاضِع إِشْكَال للمطالع فَلَا يدْرِي هَل هُوَ ناشيء من حذف شَيْء هُنَاكَ لَو بَقِي لم يكن ثمَّ إِشْكَال أَو ناشيء من الأَصْل وَالْغَالِب أَنه ينْسبهُ للمختصر فَيتْرك السَّعْي فِي حلّه لتصوره أَن ذَلِك نَشأ من إخلال الْمُخْتَصر مَعَ أَن ذَلِك الْموضع رُبمَا كَانَ من الْمَوَاضِع الَّتِي لم يحذف فِيهَا شَيْء بل قد يعرض الْإِشْكَال للمختصر فِي وَقت لَا يَتَيَسَّر لَهُ فِيهِ الرُّجُوع إِلَى الأَصْل فيندم على تَقْصِيره حَيْثُ لَا يَنْفَعهُ ندمه فَإِذا وضعت هَذِه الْعَلامَة كَانَ الْخطب أسهل وهاك مِثَال ذَلِك قَالَ أوحد عصره أَبُو عُثْمَان عَمْرو بن بَحر الجاحظ فِي أول الْبَيَان والتبيين
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من فتْنَة القَوْل كَمَا نَعُوذ بك من فتْنَة الْعَمَل ونعوذ بك من التَّكَلُّف لما لَا نحسن كَمَا نَعُوذ بك من العجببما نحسن ونعوذ بك من السلاطة والهذر كَمَا نَعُوذ بك من العي والحصر وقديما تعوذوا بِاللَّه من شرهما وَتَضَرَّعُوا إِلَى الله فِي السَّلامَة مِنْهُمَا قَالَ النمر بن تولب
(أعذني رب من حصر وعي ... وَمن نفس أعالجها علاجا)
وَقد ذكر الله جميل بلائه فِي تَعْلِيم الْبَيَان وعظيم نعْمَته فِي تَقْوِيم اللِّسَان فَقَالَ {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن خلق الْإِنْسَان علمه الْبَيَان} وَقَالَ {هَذَا بَيَان للنَّاس}