فَكيف يَصح أَن يُقَال إِن رُوَاة الصَّحِيح تَتَفَاوَت درجاتهم فِي الْعَدَالَة والضبط بِحَيْثُ يكون بَعضهم أدنى من بعض ف ذَلِك
وَقد توهم أَنه إِذا قيل هَذَا الرَّاوِي أدنى من ذَاك الرَّاوِي فِي الضَّبْط لم يسغْ أَن يُقَال عَنهُ إِنَّه تَامّ الضَّبْط بل يُقَال عَنهُ حِينَئِذٍ سيء الْحِفْظ أَو ضعيفه وسيء الْحِفْظ أَو ضعيفه لَا يعد من رُوَاة الصَّحِيح
وَطلب تَصْوِير هَذِه الْمَسْأَلَة من الْقَائِلين بهَا
وَقد رَأينَا من الْحِكْمَة الْإِجَابَة إِلَى مَا طلب لإِزَالَة مَا نَشأ من كَلَامه من الشُّبْهَة الَّتِي علقت بأذهان كثير من الناظرين فِيهِ مَعَ أَن هَذِه الْمَسْأَلَة من أهم مسَائِل الْفَنّ وَهِي مِمَّا لَا رب فِيهِ عِنْد أربابه وَعند من أمعن النّظر فِيهَا كثيرا من غَيرهم
وَلما فِي ذَلِك من زِيَادَة الْبَيَان - وَهِي مَطْلُوبَة فِي مثل ذَلِك - فَنَقُول لنفرض ان جمَاعَة من الراغبين فِي معرفَة أشعار من يستشهد بكلامهم من الشُّعَرَاء قصدُوا أحد أَئِمَّة أهل الْأَدَب البارعين فِي ذَلِك للأخذ عَنهُ فأجابهم إِلَى مَا طلبُوا مِنْهُ واعتنى بأمرهم وَصَارَ فِي كل يَوْم يروي لَهُم شَيْئا مِمَّا عِنْده ليحفظوه ثمَّ يختبرهم فِي كل مُدَّة وَلم يزل الْأَمر كَذَلِك حَتَّى أخذُوا عَنهُ نَحْو ألف بَيت فَأحب أَن يختبرهم اختبارا تَاما يعرف بِهِ درجاتهم فِي الْحِفْظ والإتقان ليجعلهم أقساما يلقى على كل قسم مِنْهُم مِقْدَار مَا يَقْتَضِيهِ استعداده رِعَايَة للحكمة وَكَانُوا سِتِّينَ
فَنظر أَولا فِي ضعيفي الْحِفْظ فَرَأى فِي أَرْبَعَة وَعشْرين مِنْهُم ضعفا شَدِيدا فِي الْحِفْظ بِحَيْثُ إِنَّهُم كَانُوا يخلون فِي كل مئة بَيت بِنَحْوِ ثَلَاثِينَ بَيْتا إِلَى نَحْو خمسين بَيْتا فَجعل هَؤُلَاءِ قسما وَاحِدًا ووسمهم فِي نَفسه بِسوء الْحِفْظ وَقلة الإتقان وَلم يهمه أَمر تقسيمهم إِلَى أَقسَام بل أهمه أَمر الْعِنَايَة بهم بِسوء الْحِفْظ وَقلة الإتقان وَلم يهمه أَمر تقسيمهم إِلَى أَقسَام بل أهمه أَمر الْعِنَايَة بهم إشفاقا عَلَيْهِم فَإِن قُوَّة العناة كثير مَا تجْعَل مثلهم من أهل الدِّرَايَة
ثمَّ نظر فِي بَقِيَّتهمْ وهم سِتَّة وَثَلَاثُونَ فَرَآهُمْ ثَلَاثَة أَقسَام كل قسم مِنْهُم يبلغ اثْنَي عشر وهم متقاربون فِي أَمرهم فأمعن النّظر فِي أعرهم وَهُوَ الْقسم الأول