للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والانحراف عن عبادة مولاه، وأن معبوده واحد في الحال وفي المآل، وهو له

بخلاف الكافرين فإنهم يعبدون أهواءهم، ويتبعون شهواتهم في الدين وأغراضهم، فهم معرضون لأنهم يعبدون اليوم إلهاً، وغداً آخر، فلذلك قال: (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) يعني الآن، (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) أنا الآن أيضاً.

ثم قال: (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ) يعني فيما يستقبل.

وأدخل فيها معنى الشرط، ولذلك وقع بعدها الفعل بلفظ الماضي، وهو

مستقبل في المعنى، كما يكون ذلك بعد حروف الشرط، كأنه يقول:

مهما عبدتم شيئاً فلا أعبده ".

فإن قيل: وكيف يكون فيها الشرط وقد عمل فيها الفعل، وليس فيها جواب؟.

قلنا: لم نقل إنها شرط محض، ولكن فيها طرف من معناه، لوقوعها على

غير معين وإبهامها في المعبودات، كما كان ذلك في " قوله عز وجل:

(كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) .

حتى وقع بعدها الفعل بلفظ الماضي، وقد عمل فيها الفعل

وليس لها جواب، لقربها من الشرطية في المعنى، لأن معنى الكلام:

" من كان في المهد صبياً، فكيف نكلمه؟ "

فجاءت " كان، بلفظ الماضي، والمراد بها الاستقبال لما فيها من معنى الشرط. وهذا كله معنى قول: " الزجاج " وغيره.

فإذا ثبت هذا فلا تنكرن أن يكون في " ما " من قوله تعالى: (ما عبدتم) معنى الشرط، بل هو فيها أبين، وإذا كان كذلك فقد وضحت الحكمة التي من أجلها جاء الفعل بلفظ الماضي من قوله: (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ) .

بخلاف قوله: (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) ، لبعد " ما " فيها عن معنى الشرط، تنبيهاً من الله تعالى على عصمة نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن اتباع هواه، وتوفيقه إياه إلى أن لا يتخذ رباً سواه، لا إله إلا هو.

<<  <   >  >>