للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: الصحيح امتناعه، لأن الظن إن كان بعد علم - والعلم ضروري - فمحال أن يرجع ظنا، وإن كان العلم نظرياً لم يرجع العالم إلى الظن إلا بعد النسيان أو الذهول عن ركن من أركان النظر.

وهذا ليس من فعلك أنت به، فلا تقول: " أظننته "

بعد أن كان عالما.

وإن كان قبل الظن شاكاً أو جاهلاً أو غافلاً فلا يتصور أيضاً أن تقول:

" أظننته "، لأن الظن لا يكون عن دليل يوفقه عليه أو خبر

صادق يخبر به كما يكون العلم.

لأن الدليل لا يقتضى ظنا ولا يقتضيه أيضاً شبهة

كما بينه أصحاب الأصول.

فثبت أن الظن لا تفعله أنت به، ولا تفعل شيئاً من أسبابه، فلم يجز:

" أظننته " أي: جعلته ظاناً، وكذلك يمتنع: " أشككته " من الشك، أي: جعلته شاكاً ولكنهم قد يقولون " شككته "، إذا حدثته بحديث يصرفه عن حال الظن إلى حال الشك.

فلذلك جاء على وزن " حدثته ". والله أعلم.

* * *

[مسألة]

وقوله: " وفعل يتعدى بحرف جر وبغير حرف جر ".

أصل هذا الفصل أن كل فعل يقتضي مفعولاً ويطلبه، فلا يصل إلى ما بعده إلا بحرف الجر، ثم قد يحذف المفعول لعلم السامع به ويبقى المجرور.

وربما تضمن الفعل معنى فعل آخر متعد بغير حرف، فيسقط حرف الجر من

أجله، وربما كان الفعل يتعدى بغير حرف وفي ضمن الكلام ما يطلب الحرف، فيدخل الحرف من أجله، فالأول نحو: " نصحت لزيد ".

و" شكرت له "، و " كلت له ": المفعول في هذا كله محذوف، والفعل واصل إلى ما بعده بحرف، لأن " نصحت " مأخوذ من قولك: نصح الخائط الثوب: إذا أصلحه وضم بعضه إلى بعض، ثم استعير في الرأي فقالوا: " نصحت له رأيه ".

والتوبة النصوح إنما هي لما تمزق من الدين كنصح الثوب، ولكنهم يقولون:

نصحت زيداً، فيسقطون الحرف، لأن النصيحة متضمنة للإرشاد، فكأنهم قالوا: أرشدت زيداً.

وكذلك " شكرت " إنما هو تفخيم للفعل وتعظيم له، من " شكر بطنه ": إذا امتلأت،

<<  <   >  >>