بدا: فعل ماض، فلا بد له من فاعل، والجملة المؤكدة باللام "
لا تكون في موضع فاعل أبداً، وإنما تكون في موضع مفعول بعلمت أو علموا، فهي ههنا في موضع المفعول، وإن لم تكن في اللفظ " علموا " ففي اللفظ ما هو في معناه، لأن قوله: " بدا " معناه: ظهر للقلب لا للعين، وإذا ظهر الشيء للقلب فقد علم.
والمجرور من قوله: " لهم " هو الفاعل، فلما حصل معنى العلم وفاعله متقدماً
على الجملة المؤكدة باللام، صارت الجملة مفعولاً لذلك العلم، كما تقول:
" علمت ليقومن زيد "، و " لام " الابتداء و " ألف " الاستفهام يكون قبلهما أفعال القلب ملغاة، فكذلك، (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) ، وقعت الجملة الاستفهامية في المعنى بعد فعل من أفعال القلب وبعد فاعله، كما تقدم بيان ذلك، حين قدرناه بقولك: " لا يبالون ".
فالواو في " يبالون " هو الفاعل، والضمير في " عليهم " هو الفاعل في المعنى.
ألا ترى كيف اختص بـ على من بين حروف الجر، لأن المعنى إذا كان يرجع إلى عدم المبالاة فقد هان عليك الأمران وصار أخف شيء على من لا يباليهما، ولا يلتفت إليهما.
فتأمله تجد المعاني صحيحة والفوائد كثيرة مزدحمة تحت هذا اللفظ الوجيز.
فكذلك نبت عنه كثير من الإفهام حتى تناقضت عليهم الأصول التي أصلوها، واضطربوا في الجواب عن الاعتراضات التي ألزموها، مع ما غاب عنهم من فوائد هذه الآيات وإعجازها، وسمانة هذه الكلمات على إيجازها، وبالله التوفيق.
* * *
[فصل]
فإن قيل: فما بال الاستفهام في هذه الجملة، والكلام خبر محض؟.
قلنا: الاستفهام مع " أم " يعطي معنى التسوية، فإذا قلت: " أقام زيد أم
قعد؟ "، فقد سويت بينهما في علمك.
فهذا جواب فيه مقنع.
وأما التحقيق في الجواب فأن تقول: ألف الاستفهام لم يخلع منها ما وضعت له ولا عزلت عنه، وإنما معناه: " علمت أقام زيد أم قعد؟ ".
أي: علمت ما كنت أقول فيه هذا القول، وأستفهم عنه بهذا اللفظ، فحكيت الكلام كما