على معبوده - عليه الصلاة والسلام - على الإطلاق، لأن امتناعهم عن عبادة الله تعالى ليس لذاته، بل كانوا يظنون أنهم يعبدون الله، ولكنهم كانوا جاهلين به، فقوله: (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) ، أي: أنكم لا تعبدون معبودي، ومعبوده هو كان يعرفه دونهم وهم جاهلون به.
ووجه آخر، وهو أنهم كانوا يشتهون مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حسداً له، وأنفة من اتباعه، فهم لا يعبدون معبوده لا كراهية لذات المعبود، ولكن كراهية لاتباع محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشهوتهم لمخالفته في العبادة، كائناً ما كان معبوده وإن لم يكن معبوده إلا
الحق سبحانه وتعالى.
فعلى هذا لا يصح في النظم البديع والمعنى النبيه الرفيع، إلا
" ما " لإبهامها ومطابقتها الغرض الذي تضمنته الآية، وبالله التوفيق.
ووجه ثالث - وهو: ازدواج الكلام - أصل في البلاغة، وبديع في الفصاحة، مثل قوله عز وجل: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) و (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) .
فسمَّى المعاقبة اعتداء لازدواج الكلام وحسن الانتظام.
وكذلك قوله عز وجل: (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) ومعبودهم لا يعقل، ثم ازدوج مع هذا الكلام قوله: (ولا أنتم عابدون ما أعبد) ، فاستوى اللفظان
وإن اختلف المعنيان، كما كان ذلك في قوله عز
وجل: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)
وفي قوله عليه الصلاة والسلام:
" إن فلاناً هجاني، فاهجه اللهم ".
هذا حسن من جهة اللفظ، والذي قدمناه أقوى في المعنى، وأنفى
للشك وأجلى للعمى، والله الموفق لسبيل الهدى، والمشكور على ما هب من
نعمى.
* * *
[(زيادة فائدة في الآية)]
إن قيل: ما الفائدة في تكرير لفظ الفعل على بنية المستقبل حين أخبر عن
نفسه، وتكريره بلفظ الماضي حين أخبر عنهم، فقال: (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤) ؟.
قلنا: في ذلك إشارة وإيماء إلى عصمة الله - عز وجل - له في الزيغ والتبديل