وأما " شرب زيد الماء " فلم يقولوا فيه: أشربته، لأنه بمثابة الأكل والأخذ
ومعظم أثره في المفعول، وإن كان قد جاء على " فعل " مثل (بلع) ، ولكنه ليس مثله، إلا أن تريد أن الماء خالط أجزاء الشارب له وحصلت من الشرب صفة في الشارب فيجوز حينئذ، كما قال سبحانه: (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) .
وعلى هذا يقال: " أشربت الخبز اللبن،، لأن شرب الخبز اللبن والماء ليس كشرب زيد له، فتأمله.
وأما " ذكر زيد عمراً " فإن كان من ذكر اللسان لم تنقله، لأنه بمنزلة شتم
ولطم.
وإن كان من ذكر القلب نقلته فتقول: " أذكرته الحديث "، بمنزلة أفهمته
وأعلمته، أي: جعلته على هذه الصفة.
* * *
[مسألة]
وقال في الباب: " اخترت الرجال زيداً "، واستشهد بالآية.
والأصل في هذا التعدي بحرف الجر وهو (مِن) ، لأن المعنى إخراج شيء من
شيء، وإنما حذف لتضمن الفعل معنى فعل آخر متعد، كأنك حين قلت: اخترت من الرجال، أردت: نخلت الرجال ونقدتهم فأخذت منهم زيداً، فمن ههنا أسقط حرف الجر كما أسقط في: " أمرتك الخير " إذا كان الأمر تكليفاً، كأنك قلت: كلفتك هذا الأمر.
وإذا ثبت هذا فللمسألة أحكام نذكرها، منها: أن الاختيار تقديم الاسم
المجرور إذا لم يسقط حرف الجر، يجوز فيه التأخير، تقول: " اخترت من الرجال عشرةً " ولو قدمت العشرة لم يحسن، لأن المخاطب يتوهم أن المجرور في موضع النعت للعشرة وليس في موضع المفعول الثاني.
وأيضاً فإن الرجال معرفة فتقديمه أحق بالاهتمام، كما لزم تقديم المجرور
الذي هو خبر عن النكرة من قولك: " في الدار رجل "، لكون المجرور معرفة، فكأنه المخبر عنه.
فإذا حذفت حرف الجر لم يكن بدٌّ من التقديم للاسم الذي كان مجروراً نحو: