واستشهد أيضاً في الباب بقوله سبحانه: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ) الآية في هذه الآية دليل على أن ما وقع به الفعل - أو فيه - فإنه مشتمل
عليه كما يشتمل الفاعل على الفعل الذي هو حركة له أو صفة فيه، ولذلك أضيف المصدر إلى المفعول كما يضاف إلى الفاعل، وأخبر (به) عما لم يسم فاعله، وبني بناء فاعل في نحو قوله تعالى:(عيشة راضية) في أحد الأقوال.
وإذا ثبت هذا صح البدل في قوله، وهو عمر - رضي الله عنه - لحفصة:" لا يغرنَّك هذه التي أعجبها حسنها، حبُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها) ، فحب بدل من (هذه) ، وإن لم يكن فعلاً لها، وإنما هو واقع بها، كما أن " القتال " بدل من الشهر فإن لم يكن فعلاً له، وإنما هو واقع فيه.
ومن فوائد هذه الآية أن يسأل عن قوله تعالى:(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ) : " لم قدم الشهر الحرام؟ ، ولم يقل: يسألونك عن قتال الشهر الحرام، وهم
لم يسألوا عن الشهر إلا من أجل القتال فيه، فكان الاهتمام بالقتال والتقديم له أولى في الظاهر؟.
والجواب أن يقال: هذا السؤال لم يقع إلا بعد وقوع القتال في الشهر، وتشنيع الكفرة عليهم انتهاك حرمة الشهر، فاغتمامهم واهتمامهم بالسؤال إنما وقع من أجل حرمة الشهر، فلذلك قدم في الذكر.
وفيها سؤال آخر، وهو أنه أعاد ذكر القتال بلفظ الظاهر، وكان القياس أن
يعيد بلفظ المضمر فيقول:" قل: هو كبير "، كما لو سأل إنسان عن رجل في الدار لقال: هو فلان، أو: هو طويل أو قصير، بلفظ المضمر، ويقبح أن يقول بلفظ الظاهر، لأن المضمر - إذا عرف المعنى - أوجز وأولى.