للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يهمانهم ويعنيانهم.

هذا لفظ سيبويه، وهو كلام مجمل يحتاج إلى بسط وتبيين.

فيقال: متى يكون أحد الشيئين أحق بالتقديم ويكون المتكلم ببيانه أعنى؟

والجواب: أن هذا أصل يجب الاعتناء به، لعظم منفعته في كتاب الله تعالى.

وحديث رسوله - صلى الله عليه وسلم - إذ لا بد من الوقوف على الحكمة في تقديم ما قدم في القرآن وتأخير ما أخر، كنحو: (السمع والبصر) .

و (الظلمات والنور) ، و (الليل والنهار) و (الجن والإنس) في أكثر الآي.

وفي بعضها: (الإنس والجن)

وتقديم السماء على الأرض في الذكر، وتقديم الأرض عليها في بعض الآي ونحو قوله تعالى: (سميع عليم) ، ولم يجئ: (عليم سميع) ، وكذلك: (عزيز

حكيم) ، و (غفور رحيم) ، وفي آية أخرى: (الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) إلى غير ذلك

مما لا يكاد ينحصر، وليس شيء من ذلك يخلو عن فائدة وحكمة، لأنه كلام الحكيم الخبير.

وسنقدم بين يدي الخوض في هذا الغرض أصلًا يقف بك على الأصح.

ويرشدك بعون الله إلى الطريق الأوضح، فنقول:

ما تقدم من الكلام فتقديمه في اللسان على حسب تقدم المعاني في الجنان.

والمعاني تتقدم بأحد خمسة أشياء: إما بالزمان، وإما بالطبع، وإما بالرتبة، وإما بالسبب وإما بالفضل والكمال.

فإذا سبق معنى من المعاني إلى الخلد والفكر بأحد هي الأسباب الخمسة، أو

بأكثرها سبق اللفظ الدال على ذلك المعنى السابق، وكان ترتيب الألفاظ بحسب ذلك.

نعم، وربما كان ترتيب الألفاظ بحسب الخفة والثقل لا بحسب المعنى.

كقوله: (ربيعة ومضر) وكان تقديم مضر أولى من جهة الفضل، ولكنهم آثروا الخفة، لأنك لو قدمت (مضر) في اللفظ كثرت الحركات وتوالت، فلما أخرت وقف عليها بالسكون.

قلت: ومن هذا النحو " الجن والإنس "، فإن الإنس أخف لفظاً لمكان النون،

<<  <   >  >>