للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معنى زائد، وقد استعمل أيضاً من لفظها: النفاسة والشيء النفسي، فصلحت للتعبير

عن الباري سبحانه وتعالى. بخلاف ما تقدم من الألفاظ المجازية.

وأما " الذات "، فقد استهوى أكثر الناس - ولا سيما المتكلمين - القول فيها، إنها في معنى النفس والحقيقة، ويقولون: (ذات الباري هي نفسه) ، ويعبرون بها عن وجوده وحقيقته، ويحتجون في إطلاق ذلك بقوله عليه السلام في قصة إبراهيم:

" ثلاث كذبات كلها في ذات الله ".

وقول خبيب:

وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع

وليست هذه اللفظة إذا استقريتها في اللغة والشريعة كما زعموا، ولو كان

كذلك لجاز أن يقال: " عبدت ذات الباري سبحانه "، و " احذر ذاته ".

كما قال تعالى: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) ، أو: " فعلت ذاته ":.

وذلك غير مسموع، ولا يقول إلا بحرف (في) الجارة، وحرف " في " للوعاء، وهو معنى مستحيل على نفس الباري سبحانه، إذا قلت:

" جاهدت في الله "، و " أحببتك في الله " محال أن يكون هذا

اللفظ حقيقة، لما يدل عليه هذا الحرف من معنى الوعاء، وإنما هو على حذف المضاف، أي: في مرضاة الله وطاعته، فيكون الحرف على بابه ومعناه، كأنك قلت: فعلى هذا محسوب في الأعمال التي فيها مرضاة الله - تعالى - وطاعة له.

وأما أن تدع اللفظ على ظاهره فمحال، وإذا ثبت هذا فقوله:

" في ذات الله " و " في ذات الإله "، إنما يريد في الديانة أو الشريعة التي هي ذات الله، فذات وصف للديانة.

وكذلك هي في أصل موضوعها نعت لمؤنث، ألا ترى أن فيها " تاء " التأنيث؟

وإذا كان الأمر كذلك فقد صارت عبارة عما تشرف بالإضافة إلى الله - عز وجل - لا عن نفسه.

وهذا هو المفهوم من كلام العرب، ألا ترى إلى قول النابغة:

مَجَلَّتُهم ذاتُ الإِله ودِيُنهم قَوِيم.

<<  <   >  >>