للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: إذا كان موضع الخبر ومقر الفائدة فيه، فلم أخر وقد قال سيبويه:

" متى جعلته مسنقراً قدمته ".

فالجواب: إن تقديم المجرور الأول لفائدتين:

إحداهما: أنه اسم للموجب لهذا الغرض، فيقدم تقدم السبب على

المسبب.

والفائدة الأخرى: أن الاسم المجرور من حيث كان اسماً لله - سبحانه - وجب الاهتمام بتقديمه، تعظيما لحرمة هذا الواجب الذي أوجبه، وتخويفا من تضييعه، إذ ليس ما أوجبه الله سبحانه بمثابة ما يوجبه غيره.

وأما (مَن) فهي بدل كما ذكره.

وقد استهوى طائفة من الناس القول بأنها

فاعل بالمصدر، كأنه قال: " أن يحج البيت من استطاع ".

وهذا القول يضعف من وجوه:

أحدهما: من جهة المعنى، وهو أن الحج فرض على التعيين بلا خلاف، ولو

كان التأويل ما ذكروه لكان فرض كفاية، فإذا حج المستطيعون برئت ذمم غيرهم وفرغت ساحتهم من التكليف، وليس الأمر كذلك، بل الحج فرض على جميع الناس حج المستطيعون أو قعدوا، ولكنه عذر بعدم الاستطاعة إلى أن توجد الاستطاعة، ألا ترى أنك إذا قلت:

" واجب على أهل هذا القطر أن يجاهد منهم الطائفة المستطيعون للجهاد "، فإذا جاهدت تلك الطائفة سقط وجوب الجهاد عن

الباقين، مستطيعين كانوا أو غير مستطيعين، بخلاف الحج.

ومما يضعف به ذلك القول، أن إضافة المصدر إلى الفاعل - إذا وجد -

أولى من اضافته إلى المفعول، ولا يعدل عن هذا الأصل إلا بدليل منقول أو معقول، فلو كان " مَن " هو الفاعل لأضيف المصدر إليه.

وإذا ثبت أن " من " بدل بعض من كل، وجب أن يكون في الكلام ضمير يعود

<<  <   >  >>