فإن قيل: فما قولكم في نحو قوله تعالى: (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ)
و (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ) ؟.
قلنا: هي متعلقة بمعنى الإنقاذ والخروج من الذنوب، وإنما دخلت لتؤذن. بهذا المعنى ولكن لا يكون ذلك في القرآن إلا حيث يذكر الفاعل الذي هو المذنب، نحو قوله: لكم، لأنه المنقذ المخرج من الذنوب بالإيمان، ولو قلت: (يغفر من ذنوبكم) - دون أن تذكر الاسم المجرور - لم يحسن إلا على معنى التبعيض، لأن الفعل الذي كان في ضمن الكلام وهو الإنقاذ، قد ذهب بذهاب الاسم الذي هو واقع عليه.
فإن قلت: فقد قال: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا)
وقال في سورة الصف: (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)
فما الحكمة في سقوطها ههنا؟ وما الفرق؟.
فالجواب: أن هذا إخبار عن المؤمنين الذين قد سبق لهم الإنقاذ من ذنوب
الكفر بإيمانهم، ثم وعدوا على الجهاد بغفران ما اكتسبوا في الإسلام من الذنوب، وهي غير محيطة بهم كإحاطة الكفر المهلك بالكافر، فلم يتضمن الغفران معنى الاستنقاذ، إذ ليس ثم الإحاطة من الذنب بالمذنب، وإنما تضمن معنى الإذهاب والإبطال للذنوب، لأن الحسنات يذهبن السيئات، بخلاف الآيتين المتقدمتين فإنهما خطاب للمشركين وأمر لهم بما ينقذهم وبخلصهم مما أحاط بهم وهو الكفر، وأما المؤمنون فقد أنقذوا.
وأما قوله في آية الصدقات: (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ) .
فهي في موضع (مِن) التي للتبعيض، لأن الصدقة لا تذهب جميع الذنوب كالجهاد.
ومن هذا النحو قوله عليه السلام:
" فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير ".
فأدخل في كلامه " عن " لتؤذن بمعنى الخروج عن اليمين، لما ذكر الخارج الفاعل وهو الضمير المستتر في (يكفر) فكأنه قال: فليخرج بالكفارة عن يمينه، ولما لم يذكر الفاعل المكفر في قوله سبحانه: (ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ) .
لم يدخل " عن " ولا احتيج إليها، وأضيفت (الكفارة) إلى (الأيمان) إضافة المصدر إلى المفعول، وإن كانت الأيمان لا تكفر وإنما يكفر الحنث والإثم، ولكن الكفارة حل لعقدة اليمين،