للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفعل في الحقيقة إِلا إِلى المصدر المقدر بعدد معلوم، كقولك: " ضربت ألف

ضربة " و " مشيت ألف خطوة "، ألا ترى أن " الميل " عندهم ثلاثة آلاف وخمسمائة، والفرسخ أضعاف ذلك ثلاث مرات.

فلم ينكسر ما أصلناه من أن الفعل لا يتعدى إِلا إلى ما ذكرناه.

وإنما سموا هذا المقدار من الخطا والأذرع ميلاً لأنهم كانوا ينصبون في رأس ثلث فرسخ نصبا كهيئة الميل الذي يكتحل به، إِلا أنه كبير، ثم يكتبون في رأسه عدد ما مشوه ومقدار ما تخطوه، ذكر قاسم بن ثابت أنَّ هشام ابن عبد الملك مر في بعض أسفاره بميل، وأمر أعرابياً أن ينظر في الميل كم مكتوباً فيه؟ وكان الأعرابي أمياً، فنظر فيه، ثم رجع إليه فقال: أفيه محجن، وحلقة، وثلاثة كأطباء الكلية، وهامة كهامة القطا ".

فضحك هشام وقال: معناه خمسة أميال.

فقد وضح لك أن الأمثال مقادير المشي، والمشي مصدر، فمن ثم عمل فيه

الفعل، ومن ثم عمل في المكان نحو: " جلست مكان زيد، لأنه مفعل من الكون، فهو في أصل وضعه مصدر عبر به عن الموضع.

والموضع أيضاً من لفظ الوضع، فلا يعمل الفعل في شيء

من هذا القبيل بحرف.

والذي قلناه في مكان أنه من الكون هو قول الخليل في كتاب " العين "، إلا

أنهم شبهواً (الميم) بالحرف الأصلي للزومها، فقالوا في الجمع " أمكنة ".

حتى كأنه على وزن في " فعال "، وقد فعلوا ذلك في ألفاظ كثيرة، شبهوا الزائد بالأصلي نحو:

" تمدرع " و " تمسكن "، ولهما نظائر.

<<  <   >  >>