للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا علامتا إضمار، فهما حرفان، وهما في الفعل اسمان، برهان ذلك أنهما - أعني الواو والألف إذا كانتا في الاسم انقلبتا " ياء " في الثثنية والجمع في حال النصب والخفض، كما تنقلب فيما لا ضمير فيه، نحو: " الزيدين "

و" الرجلين "، ولو كانت هي ضمير الفاعل لبقيت على لفظ واحد، كما تقول في الفعل: " هؤلاء رجال يذهبون "، و " مررت برجال يذهبون "، ورأيت رجالاً يذهبون، فلا يتغير لفظها.

لأنها هي الفاعل وليست علامة إعراب للفعل.

فتثبث بها صحة دعوى النحويبن على العرب، حيث زعموا أن الضمير المستتر في الاسم المشتق لا يظهر في تثنية ولا جمع، وأن الضمير المستتر في الفعل يظهر في التثنية والجمع، ولولا الدليل المتقدم

لما عرف هذا أبداً، لأن العرب لم تشافهنا بهذا مشافهة، ولا أفصحت عن أغراضها في هذا ونحوه إلا باستقراء كلامها والتتبع لأنحائها ومقاصدها، الموصل إلى غرائب هذه اللغة وفرائدها.

فإن قيل: فقد عرفنا صحة دعوى النحويين في الفرق بين الموضعين، فما

الحكمة التي هن أجلها فرق واضع اللغة بين الموطنين، فجعلها علامة إضمار في الأفعال ولم يجعلها كذلك في الأسماء المشتقة من الأفعال، مع أن الضمير فيها في التثنية والجمع والإفراد، ولكن لا علامة له في اللفظ، وإنما يستدل عليه بالتوكيد والبدل والعطف؟

قلنا: الحكمة في ذلك بديعة، وهي أن الأسماء لما كان أصلها الإعراب.

كانت أحوج إلى علامة إعراب منها إلى علامة إضمار، والأفعال أصلها البناء.

ولم يكن لها بد من الفاعل ضرورة، كانت أحوج إِلى علامة إضمار الفاعلين منها إلى علامة إعراب، مع أن هذه العلامة في الأسماء علامة تثنية وجمع وحرف إعراب أيضاً، والأفعال لا تثنى ولا تجمع، إذ هي مشتقة من المصدر وهو لا يثنى ولا يجمع، لأنه يدل على الفليل والكثير من جنسه.

ولعلة أخرى أصح منها وأدق وأجدر أن تكون هي الحق، ذكرناها في أول الكتاب، فلترها هنالك.

وإذا ثبت أنها لا تثنى ولا تجمع، وعلامة التثنية والجمع هي حروف الإعراب، فلا تكون " الواو " و " الألف " إلا علامة إضمار، ولا تكون في الأسماء - وإن احتملت

<<  <   >  >>