للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المصادر.

ولم يعلل النحويون هذا الأصل باكثر من أن قالوا: إنما لم يجز ذلك لأنه لا

فائدة فيه. . ولم يكشفوا عن سر عدم الفائدة.

وسره أن الزمان لما كان أحداثاً تحدث عن حركة الفلك، وكان البشر

يحتاجون إلى تقييد إحداثهم وتأريخها بأحداث تقارنها معلومة عند المخاطب.

كما يقيدونها بالأماكن التي تقع فيها، جعل الله - تعالى - لهم في حركات الفلك حوادث تختلف بما يقارنها من النور والظلمة، وارتفاع الشمس وانحدارها، لأن الحركات لا تختلف لذواتها ولا تمييز بأنفسها.

ولما كانت هذه الحوادث التي هي أجزاء الزمان معلومة عند جميع

المخاطبين، جعلوها تأريخا وتقييداً لأفعالهم وحياتهم وموتهم وجميع الأمور

النازلة بهم، فلا معنى لوقت الفعل إلا أنه حادث يقارنه حادث معلوم عند من

يخاطبه، فإذا أخبرته أن فعلك قارن ذلك الحادث المعلوم عنده توقت له وتقيد، فسميناه وقتا، وهو في الأصل مصدر: " وقت الشيء أوقته ": إ

ذا حددته وقدرته.

ولو أمكن أن تقيد وتؤرخ بما يقارن الفعل من الحوادث التي هي غير الزمان استغنيت عن الزمان، نقول: قمت عند خروج الأمير، وخرجت عند قدوم الحاج، أو: مع قدوم الحاج، لكان ذلك أيضا توقيتاً وتأريخاً.

ولكن الذي هو معلوم عند جميع المخاطبين إنما هي أجزاء الزمان كالشهر

والسنة واليوم وما دون ذلك، وإذا كان الأمر كذلك فلا معنى لقولك: " زيد اليوم "

و" الغلام غدا " لأن الجثث ليست بأحداث فيحتاج إلى تقييدها بما يقارنها وتأريخها بما يحدث معها، ولذلك تقول: " إن أول مخلوق خلقه الله - تعالى - لم يكن في وقت "، ولو كان في وقت لافتقر ذلك الوقت إلى وقت، إلى غير نهاية، وهذا محال فقد وضح لك أن الذي ليس بحدث فلا معنى لتقييده بالحدث الذي هو الزمان.

ومع هذا فإذا أردت حدوث الجثة ووجودها فهو أيضاً حادث، فجائز أن تخبر عنه بالزمان إذا كان الزمان يسع مدتها، مثل ما يقول:

" نحن في زمان كذا "، و " كان الحجاج في زمن ابني أمية "، وإن جهل المخاطب وجود زمن قيدته بزمان يسعه، فإن

<<  <   >  >>