للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم لزمهم أن يكون في الجملة ضمير يعود على " سوا " إذ لا تكون جملة في

موضع خبر إلا وفيها عائد يعود على المبتدأ.

فأجابوا عن هذا بأن قالوا: " سواء " مبتدأ في اللفظ وهو في المعنى خبر، لأن المعنى: " سواء عليهم الإنذار وتركه "، ولا يلزم

أن يعود من المبتدأ ضمير على الخبر، فلما كان خبراً في المعنى دون اللفظ روعي ذلك المعنى، كما لم يعد على " ضربي "، من قولك:

" ضربي زيد قائماً " ضمير من الحال التي سدت مسد الخبر، لأن معناه: اضرب زيداً، أو: ضربت زيداً، والفعل

لا يعود عليه ضمير، وكذلك: " أقائم أخوك "، لأن " أخوك "

وإن سد مسد الخبر فإنه فاعل في المعنى، و " قائم " معناه كمعنى الفعل الرافع للفاعل، فروعيت المعاني في هذه المواضع وترك حكم اللفظ إلا من جهة الرفع بالابتداء، فهي كلها مرفوعة بالابتداء متضمنة لمعنى يخالف معنى الابتداء المخبر عنه، فحكم لذلك المعنى.

فلم يعد على اللفظ ضمير.

وهذا كله حسن، إلا أنه في هذه المسألة خاصة على خلاف ما قالوه، لأن

العرب لم تنطق بمئل هذا في " سواء " حتى قرنته بالضمير المجرور بعلى، نحو (سواء عليهم) و " سواء عليَّ أقمت أم قعدت ".

ولا يقولون: " سيان أقمت أم قعدت "

ولا: " مثلان " ولا: " شبهان ".

ولا يقولون ذلك إلا في " سواء " مع المجرور بـ على.

فوجب البحث عن السر في ذلك، وعن مقصد القوم في هذا الكلام.

وعن المساواة بين أي شيئين هي؟ وفي أي الصفات هي من الاسمين الموصوفين

بالتساوي؟

فوجدنا معنى الكلام ومقصوده إنما هو تساو في عدم المبالاة بقيام أو

قعود، أو إنذار أو ترك إنذار.

ولو أرادوا المساواة في صفة موجودة في الذات لقالوا: " سواء الإقامة

والشخوص "، كما تقول: " سواء زيد وعمرو،. و " سيان "

و" مثلان " تعني استواءهما في صفة لذاتهما، فإذا أردت أن تسوي بين أمرين في عدم المبالاة وترك الالتفات لهما وأنهما قد هانا عليك وخفا عليك، قلت: " سواء عليَّ أفعل أم لم يفعل ".

كما تقول: " لا أبالي أفعل أم لم يفعل "، لأن المبالاة، فعل من أفعال القلب، وأفعال القلب تلغي إذا وقعت بعدها الجمل المستفهم عنها أو المؤكدة باللام، تقول

<<  <   >  >>