بظهور أثره فيه تعلقه بها ودخوله عليها، كما فعلوا في " إنَّ " وأخواتها حيث
كانت كلمات من ثلاثة أحرف فصاعداً يجوز الوقف على كل واحدة منهن.
تقول: إنه، وليته، ولعله، فأعملوها في الجملة إظهاراً لتشبثهن بالحديث
الواقع بعدهن.
وسيأتي بيان ذلك - إن شاء الله تعالى - بأكثر من هذا.
نعم وربما أرادوا توكيد تعلق الحرف بالجملة إذا كان الحرف مؤلفاً من حرفين، نحو " هل "، فربما يوهم الوقف عليه، أو خيف ذهول السامع عنه فادخل في الجملة حرف زائد ينبه السامع عليه، وقام ذلك الحرف مقام العمل، نحو قولك: هل زيد بقائم وما زيد بقائم، فإذا سمع المخاطب " الباء " وهي لا تدخل في الوجوب، تأكد عنده ذكر النفي
والاستفهام وأن الجملة غيو منفصلة عنه، ولذلك أعمل أهل الحجاز " ما " النافية تأكيداً لتشبثها بالجملة.
ومن العرب من اكتفى في التأكيد بإدخال الباء ورآها نائبة (في الثأثير) عن
العمل الذي هو النصب.
وإنما اختلفوا في " ما " ولم يختلفوا في " هل "، لمشاركة " ما " لـ ليس في
النفي، فحين أرادوا أن يكون لها أثر في الجملة (يؤكد) تشبثها بها جعلوا ذلك
الأثر كأثر (ليس) وهو النصب، والعمل في باب " ليس " أقوى، لأنها كلمة كليت و " لعل " و " كان "، والوهم إلى انفصال الجملة عنها أسرع منه إلى توهم انفصال الجملة عن " ما " و " هل " فلم يكن بد من إعمال " ليس "، وإبطال معنى الابتداء السابق.
ولذلك إذا قلت: ما زيد إلا قائم، لم يعملها أحد منهم، لأنه لا يتوهم
انقطع " زيد " عن " ما " لأن " إلا " لا يكون إيجاباً إلا بعد نفي، فلم يتوهم انفصال الجملة عن " ما "، وكذلك لم يعملوها عند تقدم الخبر نحو: " ما قائم زيد " لأنه ليس من رتبة النكرة أن يكون مبدوءاً بها مخبراً عنها إلا مع الاعتماد على ما قبلها، فلم يتوهم المخاطب انقطاع الجملة عن " ما " قبلها لهذا السبب، فلم يحتج إلى إعمالها وإظهار أثرها، وبقي الحديث كما كان قبل دخولها، مستغنياً عن تأثيرها فيه.
وأما حرف " لا " فإنه إن كان عاطفاً فحكمه حكم حروف العطف، وليس من
حروف العطف شيء عامل، وإن لم يكن " لا " حرف عطف نحو: " لا زيد قائم ولا عمرو "، فلا حاجة إلى إعمالها في الجملة لأنه " لا " يتوهم انفصال الجملة بقوله