للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: فإنا نجد حروف المجازاة في كتاب الله العزيز يقع الفعل بعدها تارة

بلفظ الماضي، لا يختلف القراء فيه، وتارة بلفظ المستقبل، لا يختلف القراء فيه أيضاً، وكلامه - سبحانه وتعالى - هو الكلام الجزل، وقوله فصل ليس بالهزل، فما الحكمة في اختصاص لفظ الماضي ببعض الآي دون بعض؟.

قلنا: كل موضع اعتمد الكلام فيه على الفعل الواقع بعد حروف المجازاة.

كان بلفظ المضارع لأن القصد إليه يوجب تأثير العمل فيه وهو الجزم.

وإذا كانوا قد قلبوا لفظ الماضي بعد " لم " إلى المضارع ليظهر أثرها وتعرف مزية اختصاصها، فما ظنك به في الموضع الذي لا يقلب فيه عن لفظه، ولا ينقل عن أصله، وذلك نحو قوله عز وجل: (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) وكقوله عز وجل: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ) الآية.

مع أن الحكمة التي من أجلها غير الفعل إلى الماضي بعد حروف الجزاء معدومة في أكثر هذه المواضع، ألا ترى أن الفعل في

قوله: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ) .

ليس ماضياً بالإضافة إلى ما بعده، لأن ما بعده واجب في المعنى غير مترتب عليه.

وهذا بديع إذا تأملته.

وإذا كان الكلام معتمداً على غيره، وكان هو في حكم التبعية له، إذ الشرط

تابع للمشروط، كان لفظ الماضي بعد حرف الجزاء أولى به.

فمنه قوله عز وجل: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ)

وقوله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) ، لأن اللام رابطة لجواب القسم

المضمر، فالكلام معتمد على جواب القسم لا على الشرط فحسن الإلغاء، وكان لفظ الماضي أولى به إذ هو مبني لا يظهر فيه الإعراب.

وكذلك: (وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ) و (لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ)

وهو أصل غير منخرم، وعروة قياس لا تنفصم والحمد لله.

ومن أجل ما ذكرناه من وقوع الفعل بعد حرف الجزاء بلفظ الماضي، جاز

وقوع " لم " الجازمة بعد " أن " وهما جازمتان، ولا يجتمع جازمان كما لا يجتمع في شيء من الكلام عاملان في معمول واحد من خفض ولا نصب، ولكن لما كان الفعل

<<  <   >  >>