للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَمَا توجب الْعلَّة معلولها لذاتها ونفسها وَلِهَذَا " من " الْمَعْنى قَالُوا: أَن الصّلاح واللطف لَا يتخصصان بِجِنْس من أَجنَاس الْأَفْعَال، وَلَكِن كلما علم الرب أَنه لَو أثْبته، لَا تفق عِنْده الصّلاح للمكلفين، فَهُوَ مصلحَة ثمَّ يخْتَلف وُقُوعه للمعلوم. فَرُبمَا يَقع فِي الْمَعْلُوم اتِّفَاقًا كَون الشَّيْء مصلحَة فِي حق زيد مَعَ أَنه مفْسدَة بِعَيْنِه فِي حق عَمْرو.

وَهَذَا كَمَا أَن الرب تَعَالَى قد علم أَنه لَو أفقر شخصا لكفر، وَلَو أغناه لشكر وَعلم أَنه لَو بسط الرزق لغيره لبغى فِي الأَرْض. فالصلاح فِي حق أَحدهمَا الإغناء وَفِي حق الآخر الافقار. فمقصدنا من ذَلِك أَن نبين لَك / أَنه / لَيْسَ من شَرط كَون الشَّيْء مصلحَة، أَن يَقع فِي ذَاته على وَجه يَقْتَضِي الصّلاح، ويوجبه لجنسه وذاته اقْتِضَاء الْعلَّة معلولها، فَإِذا وضح ذَلِك بَطل مَا عولوا عَلَيْهِ بطلاناً ظَاهرا.

١٥٩٠ - على أَنا نقُول لهَؤُلَاء: فَلَو قَالَ لكم قَائِل: فبينوا وَجه الْمصلحَة فِي الصَّلَوَات الْخمس مَعَ تباينها فِي الْأَوْقَات وأعداد الرَّكْعَات وَغير ذَلِك من الصِّفَات، فَلَا يَجدونَ إِظْهَار وَجه الْمصلحَة - يتَوَصَّل إِلَيْهَا عقلا، كَمَا يتَوَصَّل إِلَى الْوَجْه الَّذِي يدل مِنْهُ الدَّلِيل الْعقلِيّ.

فَإِن قَالُوا: لكل مَا ذكرتموه وَجه فِي الْمَعْقُول، وَلَكِن لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ.

قُلْنَا: فَبِمَ تنكرون على من يلزمكم مثل ذَلِك، وَيَقُول فِيمَا ألزمتمونا فِي الْقيَاس وَجه من الْمصلحَة، ذهلنا عَنهُ، واستأثر الرب تَعَالَى بِعِلْمِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>