وَجب أَن يقطع بكونهم أقل الْعدَد. قُلْنَا: لَا سَبِيل إِلَى ذَلِك، فَإنَّا نجوز أَن يحصل الْعلم بأخبار عدد دونهم. فَخرج مِمَّا قدمْنَاهُ أَن أقل عدد التَّوَاتُر مِمَّا لَا يَنْضَبِط، وَلَا يدل على عدد بِعَيْنِه دلَالَة عقلية وَلَا دلَالَة سمعية وَقد أوضحنا فَسَاد كل تَقْدِير قَالَ بِهِ أحد الْعلمَاء، فَلم يبْق إِلَّا الْمصير إِلَى مَا ذَكرْنَاهُ.
(١٧٨) فصل
[١٠٠٦] قد ذهب فريق من الْمُتَكَلِّمين إِلَى أَن صدق أهل التَّوَاتُر قد [يعرف] ضَرُورَة، وَقد [يعرف] اسْتِدْلَالا، فَأَما مَا يعرف ضَرُورَة فنحو أَخْبَار المخبرين عَن كَون بَغْدَاد فِي الدُّنْيَا وَغَيرهَا من الْأَمْصَار وَالسير والدول وَأَيَّام الماضين.
وَأما مَا يعرف صدق المخبرين فِيهِ اسْتِدْلَالا فَهُوَ مثل أَن يخبر عدد يعلم بمستقر الْعَادة أَنهم لَا يتَّفق مِنْهُم الْأَخْبَار عَن مخبر وَاحِد وفَاقا من غير رَغْبَة عَنهُ وَرَهْبَة وداعية وتواطىء، وتواضع وَخير يَقع وَدفع ضرّ، فَإِذا بدرت مِنْهُم الْأَخْبَار ونعلم باستمرار الْعَادة أَنهم لَا يتفقون من غير سَبَب، وعرفنا باطراد الْعَادة أَنه لَو تحقق سَبَب مَا ذَكرْنَاهُ لما أتكتم ويتحدثوا بِهِ على مر الزَّمَان فَإِن من قَضِيَّة الْعَادة أَن شَيْئا من الْأَسْبَاب الَّذِي قدمْنَاهُ لَا يعلم الْجمع الْكثير والجم الْغَفِير ثمَّ ينكتم، فَإِذا لم يظْهر عرف عدمهَا، فعلى هَذَا الْوَجْه يسْتَدلّ على صدقهم.