يَقُول الْقَائِل: لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم إِلَّا تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين وَنصف دِرْهَم. فيعدون ذَلِك من مستهجن الْكَلَام، وَلَا ينْطق بِهِ إِلَّا هازل، وَهَذَا مَا لَا سَبِيل إِلَى جَحده، فبالطريق الَّذِي أَنْكَرُوا انْفِصَال الِاسْتِثْنَاء أَنْكَرُوا ذَلِك.
[٦٤٨] فَإِن قيل يجوز أَنهم استقبحوا اسْتِقْلَالا بِقِيَاس اللُّغَة.
قُلْنَا: نفس هَذَا الِاسْتِثْنَاء يُوجد فِي لغتهم وَلم يقم فِي نظمهم ونثرهم ليدعى انه من أصل الْوَضع، وَإِذا عرض عَلَيْهِم أنكروه، وَالْأَصْل انْتِفَاء اللُّغَات إِلَى أَن تقوم دلالات النَّقْل على ثُبُوتهَا وَلَو سَاغَ هَذَا الدَّعْوَى فِي مَا قُلْنَاهُ سَاغَ مثله فِي كل مَا أنكروه.
[٦٤٩] فَأَما الَّذين جوزوا اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر مِمَّا سبق فَنحْن نذْكر عمدهم ونومىء إِلَى الأولى وَالْأَقْرَب مِنْهَا.
فمما عولوا عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا نصفه أَو انقص مِنْهُ قَلِيلا أَو زد عَلَيْهِ} قَالُوا: فَجعل النّصْف فزائد اسْتثِْنَاء، وَهَذَا فِيهِ نظر، فَإِن الِاسْتِثْنَاء الْحَقِيقِيّ هُوَ قَوْله {إِلَّا قَلِيلا} فَأَما بعده فاستدراكات، وَلَيْسَت باسثتناءات على الْحَقِيقَة.
[٦٥٠] وَرُبمَا تمسك نَاصِر ذَلِك بِأَن الْعَرَب قد تَقول لفُلَان عَليّ عشرَة إِلَّا سِتَّة، وَهَذَا فِيهِ نظر، فَإِن ذَلِك لم ينْقل عَن الْعَرَب فِي شَيْء من كَلَامهَا، وَلَو عرض على الفصحاء لأنكروه فَلم تقم بذلك حجَّة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute