فَيُقَال لهَؤُلَاء: فَهَذَا خرق مِنْكُم للْإِجْمَاع، فَإِن مَا اتّفق عَلَيْهِ الْقَائِلُونَ بِجَوَاز النّسخ أَن الحكم الْمُطلق الَّذِي اعْتقد أَرْبَاب / الشَّرَائِع أَو غلب على [٩٩ / أ] ظنهم [تأبده] يجوز أَن ينْسَخ، وَاعْلَم أَن هَذَا القَوْل مَا بدر إِلَّا عَن متأخري الْمُعْتَزلَة ومتعسفيهم، فَلَا نراهم يبدونه، بيد أَنا أحببنا أَن نذْكر كل مَا قيل، ثمَّ نقُول لهَؤُلَاء لم يغنكم مَا صرتم إِلَيْهِ عَمَّا أُرِيد بكم فَإِنَّكُم توقيتم الْإِجْمَال، وآثرتم تَصْوِير الْبَيَان فوقعتم فِي أعظم مَا اجتنبتموه، وَذَلِكَ أَن اللَّفْظ إِذا قدر بِأَنَّهُ ينْسَخ فالأوقات بَين ثُبُوت الِامْتِثَال وورود النّسخ غير مضبوطة فَيجوز أَن تمتد أعواما وَيجوز أَن تَنْقَضِي عَمَّا قريب وَلَا يقدم الْمُكَلف على الِامْتِثَال فِي وَقت إِلَّا وَيجوز النّسخ فِيهِ، فقد أعظم الْجَهَالَة، وَلَا فرق بَين أَن يلتزموا الْجَهَالَة فِي كل الْأَوْقَات أَو بَعْضهَا. ثمَّ نقُول لَهُم: ألستم جوزتم تَقْيِيد اللَّفْظ بِمَا قلتموه فلولا أَن النّسخ يجوز عقلا لما جَازَ تَقْيِيد اللَّفْظ بِهِ فَإِذا اثْبتْ أَن النّسخ من مجوزات الْعُقُول وَكَذَلِكَ سَاغَ الإفصاح بِهِ، فَهَلا جوزتم إِطْلَاق اللَّفْظ والاتكال على جَوَاز الْعقل فِي النّسخ فَبَطل مَا قَالُوهُ واضمحل مَا أصلوه.
[٨٧٥] وَقد اسْتدلَّ بعض أَصْحَابنَا بآي من كتاب الله تَعَالَى.
مِنْهَا: قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا قرأنه فَاتبع قرءانه ١٨ ثمَّ إِن علينا بَيَانه ١٩} ، وحرف " ثمَّ " للتأخير، فأنبأ ذَلِك عَن تَأْخِير الْبَيَان.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute