من يعلم صدق الْخَبَر الْمُتَوَاتر وَإِن لم يتَقَدَّر مِنْهُ إقدام على نظر واستدلال، فَإِن الصّبيان وَمن يحل محلهم من الَّذين لَا يعتنون بِالنّظرِ وسبر طرق الِاسْتِدْلَال يعلمُونَ أَن فِي الدُّنْيَا بقْعَة يُقَال لَهَا مَكَّة، ويعلمون أمهاتهم إِلَى غير ذَلِك مِمَّا ثَبت تواترا.
كَمَا يعلمُونَ المحسوسات من غير أَن ينظرا ويسبروا، وكما يعلمُونَ اسْتِحَالَة اجْتِمَاع المتضادات عِنْد اتصافهم بِالْعقلِ، فَلَو سَاغَ ادِّعَاء صُدُور الْعلم فِي الْمُتَوَاتر عَن النّظر سَاغَ مثله فِي المحسوسات، وَهَذَا مَا لَا فصل فِيهِ.
وَالَّذِي يُحَقّق ذَلِك: أَن الْعلم الَّذِي ندركه بِالنّظرِ يخْتَلف الْعُقَلَاء وارباب النّظر فِيهِ على حسب اخْتِلَاف درجاتهم فِي الفطنة والذكاء، وَاسْتِيفَاء الْأَدِلَّة، والإضراب عَنْهَا بالملال والضجر قبل انتهائها، وَهَكَذَا ألفينا أَرْبَاب النّظر فِي الْعُلُوم النظرية.
فَأَما الْعُلُوم الواقفة على التَّوَاتُر فمما لَا يخْتَلف فِيهِ أَرْبَاب الْأَلْبَاب، كَمَا لَا يَخْتَلِفُونَ فِي المحسوسات، وَسَائِر الْعُلُوم البديهية.
[٩٧٥] فَإِن قيل: لَو كَانَ الْعلم بالتواتر ضَرُورَة، لَكَانَ الكعبي يعرف كَونه ضَرُورَة، مَعَ كَثْرَة أَتْبَاعه والمعتزين إِلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute