للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإرادات، وَهُوَ التلهف والتأسف، فَهَذَا حَقِيقَة البداء.

[١٢٠٦] فَإِذا ثَبت الحقيقتان، رتبنا عَلَيْهِمَا، وَقُلْنَا لمنكري النّسخ من الْيَهُود والقدرية، فَإِنَّهُم وافقوا الْيَهُود فِي منع رفع الحكم بعد ثُبُوته، إِذا أثبت الله حكما على عباده، ثمَّ رَفعه، فقد زعمتم أَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى البداء فَلَا تخلون فِيمَا قلتموه أَن تَقولُوا: إِنَّه يُؤَدِّي إِلَى أَن يعلم مَا كَانَ خافيا عَلَيْهِ، فَهَذَا محَال، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يزل عَالما، وَلَا يزَال عَالما بِمَا كَانَ، وَبِمَا يكون، وَبِمَا لَا يكون، لوكان كَيفَ كَانَ يكون، وَلم يثبت الحكم على الْمُكَلّفين إِلَّا وَقد كَانَ عَالما عِنْد إثْبَاته أَنه سينسخه فَبَطل أَن يكون النّسخ مقتضيا اسْتِدْرَاك علم أَو توصلا إِلَى معرفَة مكتتم مستتر، وَإِن عنيتم بالبداء أَنه يصير كَارِهًا لما كَانَ آمرا بِهِ مرِيدا لَهُ، ومريدا لما كَانَ كَارِهًا لَهُ فَهَذَا لَا يَسْتَقِيم على أصُول أهل الْحق، فَإِن تَكْلِيف الْعِبَادَة لَا يَنْبَنِي على الْإِرَادَة والكراهية، فقد يَأْمر الرب بِمَا لَا يُرِيد وَقد يُنْهِي عَمَّا يُرِيد، وكل الْحَوَادِث مُرَاد لله تَعَالَى مَعَ اخْتِلَاف صفاتها، وَهَذَا يستقصي فِي الديانَات، فَبَطل الاسترواح إِلَى الْعلم والإرادة.

[١٢٠٧] وَإِنَّمَا عنوا بالبداء أَنه يَجْعَل الْحسن قبيحا والقبيح حسنا والمصلحة مفْسدَة والمفسدة مصلحَة، وَهَذَا مَا لَا تَحْقِيق لَهُ أصلا وَذَلِكَ أَن الْقبْح وَالْحسن لَا يرجعان إِلَى صِفَات الْأَفْعَال على أصُول أهل الْحق كَمَا قدمْنَاهُ وَإِنَّمَا التقبيح أَمر بالذم والتحسين أَمر بِحسن الثَّنَاء كَمَا قدمْنَاهُ من أصولنا، على أَنا لَو قَدرنَا الْحسن والقبح من أَوْصَاف الْأَجْنَاس، وَكَانَ مِمَّا يسوغ تَقْدِير تَغْيِيره مَا يُوجب البداء، كَمَا لَيْسَ فِي إماتة الله الأخيار وإحيائه الْمَوْتَى وَسَائِر أَحْكَامه المتعاقبة فطْرَة وخلفا مَا يُوجب البداء، فَبَطل ادِّعَاء البداء على أصُول أهل الْحق، وَإِنَّمَا يصور مدرك ذَلِك على قَوَاعِد الْمُعْتَزلَة

<<  <  ج: ص:  >  >>