وَمَا " قدره " من الاستحالة يتَحَقَّق فِي كل مَا تمثلنا بِهِ.
وَكَذَلِكَ نعلم أَن الْمُعْتَزلَة قَائِلُونَ بِخلق الْقُرْآن. فَلَا أحد مِنْهُم إِلَّا يَقُول بذلك فَبَطل مَا قَالُوهُ.
١٣٣٣ - فَإِن قَالُوا: كَمَا يبعد فِي مُسْتَقر الْعَادة اتِّفَاق الْعلمَاء المتبددين فِي الْأَمْصَار مَعَ اخْتِلَاف أغراضهم وتباين آرائهم، أَن يجتمعوا على اخْتِلَاف من القَوْل، وزور وَكذب، على تواضع وتواطئ، أَو وفَاقا من غير سَبَب، فَهَذَا مستنكر فِي الْعَادة. كَمَا يستنكر أَن يتَّفق فِي الْوَقْت الْوَاحِد لكافة الْبَريَّة قعُود على صفة وَاحِدَة أَو قيام، أَو نَحْوهمَا من الْأَوْصَاف. وكما يَسْتَحِيل ذَلِك، فَكَذَلِك يَسْتَحِيل اتِّفَاقهم على حكم وَاحِد، قولا أَو فعلا.
وَهَذَا الَّذِي ذكرتموه، تحكم، على الْعَادَات، واقتراب من المطاعن فِي الضروريات. وَذَلِكَ أَن نقُول لَهُم: أَلَيْسَ قد ثَبت جَوَاز اتِّفَاق أهل التَّوَاتُر على نقل شَيْء عاينوه وشاهدوه؟ ثمَّ نعلم مَا نقلوه صدقا ضَرُورَة. على مَا قدمْنَاهُ فِي كتاب الْأَخْبَار.
فَلَو قَالَ الْقَائِل: إِذا تصور اجْتِمَاعهم على نقل صدق / فَيَنْبَغِي أَن يتَصَوَّر اتِّفَاقهم على نقل كذب! فَإِن كل وَاحِد مِنْهُم لَو قدر مُفردا، بصدد أَن يتَصَوَّر مِنْهُ ذَلِك. فَإِن قَالُوا: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك، لِأَن النُّفُوس مجبولة على نقل الصدْق، مَحْمُولَة على خلاف طباعها إِذا نقلت الْكَذِب.