للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مرتضعا ثدي الكمالات فِي مهد الْعُلُوم فحفظه وَالِده كتبا مِنْهَا الْمِفْتَاح للسكاكي فامتاز فِي صغره بفصاحة الْعَرَب العرباء وأشتغل بفنون الأداب وَدخل إِلَى الْفَضَائِل من كل بَاب وَأخذ عَن جمَاعَة من عُلَمَاء عصره وأنتهت إِلَيْهِ رئاسة الْفتيا والتدريس وَلما جمع السُّلْطَان سُلَيْمَان رَحمَه الله الْعلمَاء بمجلسه وَأمرهمْ بالمناظرة رجح الْمشَار إِلَيْهِ فِي بَحثه وَتبين فَضله وأستحق التَّقْدِيم وَكَانَ أَهله وَكَانَ قبل ذَلِك قد ولي التدريس فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة ثمَّ ولي قَضَاء بروسا ثمَّ ولي قَضَاء اسطنبول

قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين الْمُفْتِي وأجتمعت بِهِ فِي الرحلة الأولى وَهُوَ قَاضِي أسطنبول سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة فرأيته فصيحاً وَفِي الْفَنّ رجيحاً فعجبت لتِلْك الْعَرَبيَّة مِمَّن لم يسْلك ديار الْعَرَب وَلَا محَالة انها منح الرب ثمَّ ولي فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين قَضَاء الْعَسْكَر وَصَارَ يُخَاطب السُّلْطَان فِي الْأَمر وَالنَّهْي ثمَّ فِي سنة إِحْدَى وَخمسين ولي منصب الأفتاء وَكَانَ سلوكه لَا عوج فِيهَا وَلَا أمتى وسمعته يَقُول جَلَست يَوْمًا بعد صَلَاة الصُّبْح أكتب على الأسئلة المجتمعة فَكتبت إِلَى صَلَاة الْعَصْر على ألف وَأَرْبَعمِائَة واثني عشرَة فتيا وَكَانَ لَهُ فِي الْأَلْسِنَة الثَّلَاثَة شعر بديع وَمن قصائده الَّتِي سَارَتْ بهَا الركْبَان قصيدة ميمة غَرِيبَة الشَّأْن وَهِي طَوِيلَة ومطلعها هَذِه الأبيات ... أبعد سليمي مكطلب ومرام ... وَغير هَواهَا لوعة وغرام

وَفَوق حماها ملْجأ ومثابة ... وَدون ذراها موقف ومقام

وهيهات أَن يثني غير بَابهَا ... عنان المطايا أَو يشد حزَام

هِيَ الْغَايَة القصوى وَإِن فَاتَ نيلها ... فَكل من الدُّنْيَا عَليّ حرَام

سلوا النَّفس عَنْهَا واطمئن بنأيها ... سلوا رَضِيع قد عراه فطام

وصب سقَاهُ الرشد سلوان رشده ... فأمسى وَمَا فِي الْقلب مِنْهُ هيام

صَحا عَن سلاف الغي بعد أنهماكه ... عَلَيْهِ فبيان الكأس مِنْهُ وجام

محوت نقوش الجاه من لوح خاطري ... فاضحى كَانَ لم تجر فِيهِ قلام ...

وَمِنْهَا ... قد اخلق الْأَيَّام خلعة حسنها ... فالهم ضحت وديباج إلبها رمام

<<  <   >  >>