قلنا: نحن نقول: إن العربَ تفعل كذا بعد ما وطأناه أن ذلك توقيف حتى ينتهى الأمر إلى الموقف الأول.
ومن الدليل على عِرْفان القدماء من الصحابة وغيرهم بالعربية كتابتُهم المصحف على الذي يعلله النحويون في ذوات الواو، والياء، والهمز، والمد، والقصر، فكتبوا ذوات الياء باليا، وذوات الواو بالألف، ولم يصوروا الهمزة إذا كان ما قبلها ساكنا في مثل: الخبء والدفء والملء فصار ذلك كله حجة، وحتى كره من كره العلماء ترك أتباع المصحف.
انتهى كلام ابن فارس.
وقال ابن دريد في أماليه:
أخبرني السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبي عن عوانة قال: أول من كتب بخطنا هذا وهو الجزم مُرَامِر بن مُرّة وأسلم بن جَدَرَة الطائيان، ثم علموه أهل الأنبار، فتعلمه بِشْر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك الكندي صاحب دُومَة الجَنْدَل، وخرج إلى مكة، فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان، فعلم جماعة من أهل مكة، فلذلك كثر من يكت بمكة في قريش، فقال رجل من أهل دومة الجندل من كندة يَمنُّ على قريش بذلك:[// من الطويل //]
(لا تجْحَدوا نَعْمَاء بِشْرٍ عليكمو ... فقد كان ميمونَ النقيبةِ أَزْهَرَا)
(أتاكم بخط الجَزْمِ حتى حفظتمو ... من المال ما قد كان شتى مبعثرا)
(وأتقنتمو ما كان بالمال مُهمَلاً ... وطامنتمو ما كان منه منفرا)