للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ألسنة العرب.

وأقلُّ ما يجب على المتكلم البيانُ لمخاطبه، وإلا كان كخَابِطِ الليل وحَاطِبه، يخاطب العربي بالعجمية، ويخاطب العجمي بالعربية وصناعةُ الشعر أشد حصْراً، وأمد عصْراً، وذلك أن الشاعر إنما هو راغب أو راهب، أو مُعاتب بين يدي ملك فإن حكى عن نفسه وإلا كان جديرا بأن يَهْلِك.

فمن ذلك ما رواه ابن جِنّي قال: حدثنا أحمد بن زكريا، حدثنا أبو عبد الله الغلابي، حدثنا مهدي بن سابق، حدثنا عطاء بن مُصْعَب، حدثنا عاصم بن الحدثان، قال: دخل النَّابغة على النعمان بن المنذر فقال:

(تَخِفُّ الأرض إنْ تَفْقِدْك يوما ... وتَبْقى ما بقيت بها ثقيلا) // الوافر // فنظر إليه النعمان نَظَرَ غَضْبَان، وكان كعب بن زهير حاضرا فقال: أصلح الله الملك إن مع هذا بيتا ضلَّ عنه وهو:

(لأنَّكَ موضعُ القِسْطاس منها ... فتمنع جَانِبَيْهَا أن تميلا) // الوافر // فضحك النعمانُ، وأمر لهما بجائزتين.

فلولا كعب كان قد هلك.

فإن كان الشاعر مخاطبا مَنْ دون الملك الأشم بما لا يُفهم، وكان راغبا في دَرِّهم، كان ذلك سببا لبُطْلان حاجته، وغَيْضِ مُجَاجَتِه، واستهجان شعره، وتحقير أمره، والقدماءُ في هذا أعذر لأنها لُغَتُهم.

انتهى.

[النوع الخمسون]

[معرفة أغلاط العرب]

عقد له ابنُ جِنّى بابا في كتاب الخصائص قال فيه: كان أبو علي يروي وَجْهَ ذلك ويقول: إنما دخل هذا النحوُ كلامهم لأنهم ليست لهم أصول يراجعونها، ولا قوانين يستعصمون بها وإنما تهجُم بهم طباعهم على ما ينطقون به، فربما استهواهم الشيء فزاغوا به عن القَصْد.

فمن ذلك ما أنشده ثعلب:

(غدَا مَالِكٌ يَرْمِي نِسائي كأنما ... نسائي لِسَهْمَيْ مَالِكٍ غرضان)

<<  <  ج: ص:  >  >>