الْكتاب لِأَنَّهُنَّ من الْكفَّار غير مشركات ثمَّ قَالَ وَمَرْيَم ابنت عمرَان الَّتِي أحصنت فرجهَا فنفخنا فِيهِ من رُوحنَا وصدقت بِكَلِمَات رَبهَا وَكتبه
فالتصديق بِالْكَلِمَةِ أعظم الْأَشْيَاء لِأَنَّهَا لم تعاين الْمَلَائِكَة وَإِنَّمَا سَمِعت صَوت الْبُشْرَى {إِن الله يبشرك بِكَلِمَة مِنْهُ} فصدقت وَلم تردد فسماها الله صديقَة فِي تَنْزِيله فَقَالَ {وَأمه صديقَة}
فبالاتصال بلغ الْعباد أَعلَى منَازِل الصديقين فَلَا ينالهم فِي أَمر الله حيرة أَلا ترى أَن سارة لما بشرت بِإسْحَاق كَيفَ اضْطَرَبَتْ حَتَّى أنْكرت الْمَلَائِكَة من قَوْلهَا إِن هَذَا لشَيْء عَجِيب قَالُوا أَتَعْجَبِينَ من أَمر الله فَتبين هَهُنَا مِنْهَا نقص وَتبين الْكَمَال من مَرْيَم حَيْثُ بشرت بِالْكَلِمَةِ من قَوْله {إِن الله يبشرك بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمه الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم وجيها فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن المقربين ويكلم النَّاس فِي المهد وكهلا وَمن الصَّالِحين}
فَعندهَا قَالَت {رب أَنى يكون لي ولد وَلم يمسسني بشر} فَإِنَّمَا سَأَلت من أَيْن هَذَا الْوَلَد لِأَنَّهُ قد جاءها من أَمر الله مَا لَيْسَ فِي الْبشر مثله وَالَّذِي جَاءَ من أَمر سارة لَيْسَ بمستنكر قد يكون مثله فِي الْبشر أَلا ترى أَنه لما جَاءَ الْوَلَد من إِبْرَاهِيم وَسَارة لم يفتتن الْخلق بِهِ ومجيء عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فتْنَة على المفتونين