للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

{اهتزت وربت} وإهتزازها بِالْحَيَاةِ الَّتِي نَالَتْ أَغْصَان الْأَشْجَار حَتَّى أورقت وكل شَيْء يَتَحَرَّك إِنَّمَا يَتَحَرَّك بِالْحَيَاةِ

فالروح أوفر الْأَشْيَاء حظا من هَذِه الْحَيَاة لِأَنَّهُ خرج من روح الْحَيَاة الْأَصْلِيّ ثمَّ من بعد ذَلِك أوفر الْأَشْيَاء حظا من الْحَيَاة بعد الرّوح هَذِه النَّفس فالنفوس لجَمِيع الدَّوَابّ والبهائم والطيور وَفضل الْآدَمِيّ بِالروحِ للْخدمَة لِأَنَّهُ خَادِم ربه وَسَائِر الْخلق سخرة للآدمي فالروح بِمَا فِيهِ من الْحَيَاة يَدْعُو الْقلب إِلَى الطَّاعَة وَالنَّفس بِمَا فِيهَا من الْحَيَاة تَدْعُو إِلَى الشَّهَوَات والأفراح وَالْقلب أَمِير على الْجَوَارِح وَعَن أمره يصدرن إِلَى الْأَعْمَال فالأمير يَأْمر بِقُوَّة الْمعرفَة وَالْعلم بِاللَّه

فَقَوله من ملك نَفسه فالملك للقلب على النَّفس فَمن كَانَ قلبه مَالِكًا لنَفسِهِ فِي هَذِه الْأَحَايِين الْأَرْبَع حِين الرَّغْبَة وَحين الرهبة وَحين الشَّهْوَة وَحين الْغَضَب فقد حرم على النَّار واختسأ شَيْطَانه لِأَن الدُّنْيَا كلهَا فِي هَذِه الْأَرْبَع فَإِذا ملك الْقلب النَّفس بِقُوَّة الْمعرفَة وَالْعلم بِاللَّه فَإِن للمعرفة وَالْعلم سُلْطَانا عَظِيما وجنودا كثيفة وكنوزا جمة للجنود فقد دقَّتْ دُنْيَاهُ فِي عينه وصغرت وتلاشت حَتَّى صَارَت كالهباء وَمن ملكت نَفسه قلبه بِقُوَّة الْهوى وسلطان هَذِه الْأَرْبَع وحدتها وغليانها صَارَت دُنْيَاهُ فِي عينه كل شُعْبَة مِنْهَا كالجبال أَو كالبحور وَعظم فِي عينه شَأْنهَا وشأن أَحْوَال نَفسه فِيهَا وَصَارَت الْآخِرَة فِي عينه كَالْحلمِ فَإِن المحتلم يتعشق فِي مَنَامه على جَارِيَة حسناء ويثب إِلَيْهَا ويلقي نَفسه عَلَيْهَا من شدَّة الشبق لِأَن شَيْطَانه يُرِيد ذَلِك ويخدع نَفسه البلهاء فِيمَا مثل لَهَا فِي مَنَامه فَإِذا إنتبه وجد نَفسه خَالِيا مِمَّا رأى وَإِذا هُوَ لم يزدْ على أَن بَال فِي فرَاشه فَهَذَا لم يزدْ على أَن ضحك بِهِ الشَّيْطَان

فَهَذِهِ صفة من يتعشق على الجنات من شَهْوَة نَفسه لسَمَاع الْأذن لَا بحياة الْقلب وَإِذا هُوَ ميت على الدُّنْيَا من حبها ويعظمها تَعْظِيمًا لَا ينَام وَلَا ينيم حرصا وأشرا وشرها وبطرا حَتَّى يَأْخُذهَا من الشُّبُهَات بتضييع

<<  <  ج: ص:  >  >>