بدنه ثمَّ وضع وَجهه بمكارمه على الأَرْض تذللا وتواضعا لوجهه الْكَرِيم وَلذَلِك قَالَ دَاوُد وَغَيره من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام سجد وَجْهي لوجهه الْكَرِيم وَكَانَ من جَزَاء الله لَهُ أَن أقبل عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ فالمصلي هُوَ كالمصطلي بِنَار يقف على النَّار حَتَّى يدفئ جسده من حر النَّار فَأمر الْعباد أَن يقفوا بَين يَدَيْهِ بالإقبال عَلَيْهِ قلبا وبدنا فَيقبل عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ الْكَرِيم فينالهم من سبحات وَجهه مَا يحيي قُلُوبهم من موت الشَّهَوَات ويطهر جوارحهم من أدناس الذُّنُوب فَسمى ذَلِك الْوُقُوف صَلَاة مشتقا من الصلى
فَإِذا وقف العَبْد فَمن أدب الْوُقُوف أَن يترضى ربه بالثناء عَلَيْهِ فيذكر مدائحه وصنائعه ثمَّ يسْأَل حَاجته وَكَانَت لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولأمته حظوظ مخزونة عِنْد الله فِي سره وغيبه لَيست لأحد من ولد آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَلَو أبرزها لمدت الرُّسُل والأمم عينهَا إِلَى تِلْكَ الحظوظ وَظَهَرت الْخُصُومَة وَكَانُوا يَقُولُونَ فِي أنفسهم نَحن عبيدك من طِينَة وَاحِدَة فَمَا هَذِه الحظوظ لَهُم دُوننَا وتحيرت الْمَلَائِكَة فِي شَأْن هَذِه الْأمة فَأسر هَذِه الحظوظ فِي غيبه وَأَلْقَاهَا إِلَى الدُّعَاء ليُخَيل إِلَى الْجَمِيع أَنهم إِنَّمَا نالوها من الدُّعَاء وَفتح لَهُم من بَاب الدُّعَاء مَا لم يفتح لأحد من الْأُمَم وَنزل {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم}
وَرُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَعْطَيْت أمتِي مَا لم يُعْط إِلَّا الْأَنْبِيَاء كَانَ الله تَعَالَى إِذا بعث نَبيا قَالَ لَهُ مَا جعل عَلَيْك فِي الدّين من حرج وَقَالَ لهَذِهِ الْأمة {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج}
وَكَانَ الله إِذا بعث نَبيا جعله شَهِيدا على قومه وَجعل هَذِه الْأمة شُهَدَاء على النَّاس