للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النَّفس ووساوس الْعَدو تخوفك بالرزق وتخوفك بأحوال الدُّنْيَا وَتَقَلُّبهَا وترغبك فِي الْجمع وَالْمَنْع وَتحل فِي قَلْبك مَا فِيهِ مصرعك وهلاكك وتزين لَك أَحْوَال الدُّنْيَا فَهَذِهِ كلهَا سموم قاتلة للقلب فَمن تخلى من هَذِه الهموم كلهَا حَتَّى صَارَت همومه كلهَا هما وَاحِدًا كَفاهُ الله الهموم من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة والهم دَبِيب الْقلب وَهُوَ على وَجْهَيْن أَحدهمَا هم دَبِيب وَهُوَ متجاوز عَنهُ وَالْآخر هم حُلُول

فالقلب إِذا بَدَت لَهُ خاطرة دب إِلَيْهَا ثمَّ يبْقى فِي الطَّرِيق متحيرا عَاجِزا قد انسد عَلَيْهِ الطَّرِيق فَهَذَا هم يتَجَاوَز عَنهُ والهم الآخر يدب الْقلب بالخاطرة إِلَى الشَّيْء الَّذِي بَدَأَ حَتَّى يَنْتَهِي منتهاه فَيحل بِهِ فحلوله عزم وإضمار فَإِن كَانَت سَيِّئَة صَار قد هم بسيئة فَهِيَ وَإِن لم تكْتب عَلَيْهِ قد انحط عَن دَرَجَته لِأَنَّهُ قد عزم على مَعْصِيّة فَهَذَا هم حُلُول الْقلب وَإِنَّمَا يصير همه هما وَاحِدًا إِذا نسي نَفسه وَأَحْوَالهَا وَهُوَ أَن ينْكَشف لَهُ الغطاء عَن الْمعرفَة بِاللَّه تَعَالَى حَتَّى يرى الله كَافِيا لَهُ فِي كل أَمر من دنيا وآخرة فَعندهَا يرفع باله عَن التَّدْبِير لنَفسِهِ ويلقي ذَلِك كُله إِلَى الله تَعَالَى تفويضا ويراقب مَاذَا يخرج لَهُ من تَدْبيره سَاعَة فساعة

فتدبير الله تَعَالَى لِلْمُؤمنِ أَعلَى من تَدْبيره لنَفسِهِ فَإِذا رفض العَبْد تَدْبيره وَأَقْبل على مُحَافظَة تَدْبِير الله فِي كل وَقت مَاذَا يظْهر لَهُ فقد استراح فَإِنَّمَا همه فِي كل سَاعَة التوخي لمحاب الله فِي كل أَمر من متقلبه فَإِنَّهُ إِنَّمَا خلقه عبدا ليَكُون لَهُ عبدا عَارِفًا لَهُ عَالما بِهِ فَينْظر بِعَين الْمعرفَة وَالْعلم إِلَى عَظمته وجلاله وبهائه وكبريائه وسلطانه وَرَحمته وَإِلَى ملكه وتدبيره فَيقر عينه ويمتلئ قلبه فَرحا بِهِ فَعندهَا تظهر محبته على قلبه ويشتاق إِلَى لِقَائِه ويتبرم بحياته ويقلق بمكانه ينْتَظر مَتى يدعى فيجيب فَهُوَ مسجون برمق الْحَيَاة وَلذَلِك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدُّنْيَا سجن الْمُؤمن وسنته

<<  <  ج: ص:  >  >>