عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} قَالَ الْقُنُوت الركود والخشوع فجاد مَا غاص مُجَاهِد صَار إِلَى الأَصْل
وَأما الَّتِي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَانِتِينَ أَي مُطِيعِينَ فَقَوْل ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا ظَاهر التَّفْسِير وَقَول مُجَاهِد بَاطِن التَّفْسِير وَقَوله تَعَالَى {يَا مَرْيَم اقنتي لِرَبِّك} رُوِيَ فِي التَّفْسِير أَنه قَالَ قومِي لِرَبِّك وَالْقِيَام غير الْقُنُوت وَلَو كَانَ الْقُنُوت قيَاما لاستحال أَن يَقُول {قومُوا لله قَانِتِينَ} والقنوت صفة تحدث عَن الْقيام
فَقَوله تَعَالَى لِمَرْيَم {اقنتي لِرَبِّك} أَي أطيعي رَبك فَهَذَا تَفْسِير ظَاهر وَلَكِن أُرِيد من مَرْيَم الْقُنُوت فِي الْبَاطِن وَهُوَ أَن تقبل بقلبها على الله مظلا على النَّفس مُشْتَمِلًا على شهواتها لِئَلَّا تتحرك وتتفرق غليانا وتجيش حَتَّى يفور دخانها إِلَى الصَّدْر إِلَى مَحل إشراق نور الألوهة فَإِنَّهُ لَيْسَ من حق عطايا رَبنَا أَن يُعْطي عبدا إشراق نور عَظمته فِي صَدره فيهمل العَبْد حراسته ورعايته حَتَّى تَفُور حرارة شهواته كفوران الْقدر الَّتِي تغلي إِلَى صَدره كالدخان بَين يَدي نور العظمة فِي صَدره فَإِذا فعل ذَلِك حجب لِأَن ذَلِك الفوران كالدخان فَإِذا هاج من النَّفس وتأدى إِلَى الصَّدْر امْتنع الْإِشْرَاق واحتجب وَبَقِي العَبْد محجوبا كَأَنَّهُ صَار خَالِيا من الزكاء
فَأمرت مَرْيَم بِالْقُنُوتِ أَي بالدوام وبالركود بِمُقَابلَة الْقلب قبالة عَظمَة الله حَتَّى يَدُوم لَهَا التَّعْظِيم لجلال الله وَلذَلِك سمي دُعَاء الْوتر قنوتا لِأَن الصَّلَاة وقُوف تخشع وتذلل يُؤدى فَرْضه فَإِذا قنت فَإِنَّمَا خرج من صلَاته الَّتِي افترضت عَلَيْهِ وَقَامَ لَهُ متعرضا لرَبه إِلَى موقف آخر لرغبة أَو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute