بِالْجنَّةِ وَلمن لم يلبس إيمَانه بظُلْم الْأَمْن والاهتداء فَكل إِنَّمَا ينَال من ذَلِك الْوَعْد بِقدر مَا فِيهِ من الاسْتقَامَة وَقلة اللّبْس فالمؤمن لما آمن تقبل الله إيمَانه وَدخل فِي أَمَانه فَلهُ الْأَمْن فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة من كل آفَة فَلَمَّا أذْنب خرج من أَمَان الله بِقدر ذَلِك الذَّنب وَنقص من الْأَمْن بِقدر ذَلِك وَاسْتحق الْعقُوبَة بِقدر ذَلِك وَهُوَ أَن يَزُول نعْمَة من نعمه عَنهُ بِقدر ذَلِك وَإِن شَاءَ تفضل وَعَفا وَإِن عاقب زَالَت عَنهُ من النعم بِقدر ذَلِك وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {ذَلِك بِأَن الله لم يَك مغيرا نعْمَة أنعمها على قوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم}
فالنعمة اسْم جَامع جملَة لهَذَا الْآدَمِيّ فِي بدنه وَدينه ودنياه فَلَو لم يُذنب لم يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا وَكَانَ على هَيئته وَإِنَّمَا جَاءَت الْأَمْرَاض والنوائب وَالْأَحْوَال المتغايرة لمَكَان الْخَطَايَا والذنُوب غيروا فَغير الله مَا بهم وَعفى عَن كثير وَقَالَ الله تَعَالَى فِي تَنْزِيله {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم وَيَعْفُو عَن كثير}
فالاعتبار فِي هَذَا الْأَمر بِقصَّة أَبينَا آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَإِن الله تَعَالَى خلقه بِيَدِهِ وأسجد لَهُ مَلَائكَته وبوأه مَعَ زَوجته وعهد إِلَيْهِ عهدا أَن هَذَا الَّذِي أَبى أَن يسْجد لَك هُوَ عَدو لَك ولزوجك فَلَا يخرجنكما من الْجنَّة فتشقى وَعرض الْأَمَانَة على السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال فأبين أَن يحملنها فَنظر آدم إِلَى إباد هَؤُلَاءِ فَأَخَذته الْغيرَة وهاج مِنْهُ الْحبّ لله فاحتملها وتقلدها فَبَقيت قلادة فِي عُنُقه فَقيل لَهُ هَذِه الْجنَّة مسكنك فَانْظُر أَن لَا يخْرجك وزوجتك هَذَا الْعَدو من هَذَا الْمسكن بِأَن يغرك حَتَّى تحدث فِيهِ حَدثا يكون خِيَانَة للأمانة وَقيل لَهُ إِن لَك فِيهَا أَي فِي الْجنَّة أَن لَا تجوع فِيهَا وَلَا تعرى وَأَنَّك لَا تظمأ فِيهَا وَلَا تضحى وَهَذِه الْأَرْبَع قوام الْآدَمِيّ ومعاشه يعرفهُ أَنَّك إِن أحدثت أخرجت مِنْهَا فَإِذا أخرجت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute