الْحِرْص يظْهر لهبها فِي الْجَوَارِح فَإِذا اسْتعْمل تِلْكَ الْجَارِحَة استعملها باستفزاز وخفة وَإِذا سكن الْحِرْص فترت الْقُوَّة فبالحرص يقوى على تَعب الْأَركان فِي أَعمال الْبر وبالحرص يصابر على طَاعَة الله تَعَالَى وبالحرص يسمو إِلَى معالي الدَّرَجَات وَمن شَأْن الْحِرْص الترقي فِي الدَّرَجَات وَطلب الازدياد من كل شَيْء يَنَالهُ من الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَكَذَلِكَ قيل فِي الحَدِيث مَا أعطي العَبْد شَيْئا من الدُّنْيَا إِلَّا زيد مثلَيْهِ فِي الْحِرْص والحرص والصرح مُشْتَقّ بعضه من بعض فالصرح الْبناء العالي المشرف الناتئ على الْبُنيان وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَا هامان ابْن لي صرحا لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب} فَهَذَا فِي الظَّاهِر صرح وَذَاكَ فِي الْبَاطِن سمي حرصا لِأَنَّهُ بِهِ يطْلب الازدياد ويترقى فِي دَرَجَات الْمَزِيد علوا
ثمَّ إِذا نظر إِلَى من دونه اعتراه الْعجب وضال بِهِ على الْخلق واستطال فَرمى بِهِ من ذَلِك الْعُلُوّ فَلَا يبْقى لَهُ عُضْو إِلَّا انْكَسَرَ فَأعْطِي الْآدَمِيّ الْحِرْص ليتقوى بِهِ على الازدياد من أَعمال الْبر وَأمر أَن يكون حرصه مزموما بزمام الْخَوْف والخشية مشحونا بأثقال السكينَة وَالْوَقار ليَكُون مَعْصُوما من الْإِعْجَاب وَترك الْأَدَب فِي الدّين
أَلا ترى إِلَى قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكرَة حَيْثُ دخل الْمَسْجِد وَالنَّاس رُكُوع فَرَكَعَ وَمَشى فِي رُكُوعه حَتَّى وصل إِلَى الصَّفّ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زادك الله حرصا وَلَا تعد
وَكَانَ قد تقدم إِلَيْهِم فَقَالَ إِذا أتيتم الصَّلَاة فأتوها بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار فَمَا أدركتم فصلوا وَمَا فاتكم فأقضوا
وَقَالَ فِي حَدِيث آخر التأني من الله والعجلة من الشَّيْطَان