فسمحت الْأَنْصَار بذلك وَكَانُوا حِين قدمُوا الْمَدِينَة ناصفوهم الْأَمْوَال وواسوهم بالكثير حَتَّى كَانَ الرجل يُطلق إِحْدَى امرأتيه ليتزوجها أَخُوهُ المُهَاجر
هَذَا كُله لحب الله تَعَالَى وَحب طَاعَته وَحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْظر أَي قُلُوب هَذِه وَأي شَيْء فِي هَذِه الْقُلُوب من منن الله تَعَالَى من خَزَائِن فَضله وَانْظُر أَي نفوس هَذِه شيمها وَأنْظر أَي أَخْلَاق لهَذِهِ النُّفُوس اللَّهُمَّ إِنَّا نتقرب إِلَيْك بحبهم فَإِنَّهُم أحبوك وَلم يحبوك حَتَّى أَحْبَبْتهم فبحبك إيَّاهُم وصلوا إِلَى حبك وَنحن لم نصل إِلَى حبهم فِيك إِلَّا بحظنا مِنْك فتمم لنا ذَلِك حَتَّى نلقاك بِهِ يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ وَأثْنى الله تَعَالَى على الْأَنْصَار رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ ومدح سرائرهم فَقَالَ عز وَجل {يحبونَ من هَاجر إِلَيْهِم وَلَا يَجدونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا}
أَي لَا يَجدونَ ضيقا وَلَا بخلا وَلَا نفاسة فَمَا أُوتِيَ الْمُهَاجِرين من غنيمَة خَيْبَر وَلم يُؤْت الْأَنْصَار ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة
يخبر أَنه كَانَ بالأنصار فقر وحاجة إِلَى تِلْكَ الْغَنَائِم فآثروا الْمُهَاجِرين على أنفسهم ثمَّ أخبر أَن هَذَا من منَّة الله تَعَالَى على الْأَنْصَار أَن أمات مِنْهُم الْحِرْص وَهُوَ الشُّح فَقَالَ عز من قَائِل وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون
وَإِنَّمَا أمات مِنْهُم الْحِرْص بِمَا أَعْطَاهُم من الْيَقِين وَمَا يصنع من احتشى قلبه بِنور الله تَعَالَى وَيرى قربَة الله مِنْهُ بظلمات الدُّنْيَا وحطامها ولهوها وَسَار بهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى فتح مَكَّة وَهُوَ وطنهم وأرضهم