وَقَالَ الْجنَّة دَار الأسخياء وَمَا جبل الله قطّ وليا لَهُ إِلَّا على السخاء ولجاهل سخي أحب إِلَى الله تَعَالَى من عَابِد بخيل
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حسن الْخلق ذهب بِخَير الدَّاريْنِ وَيدْرك بِهِ الرجل دَرَجَة الصَّائِم الْقَائِم
فَهَذِهِ أَخْلَاق الْعَرَب منحها الله تَعَالَى إيَّاهُم وطهرهم بِالتَّوْحِيدِ وطيبهم بِالْيَقِينِ فعبدوا الله كَأَنَّهُمْ يرونه فشرع الله تَعَالَى لَهُم أوسع الشَّرَائِع وأسمحها وَستر عَلَيْهِم ذنوبهم وَجعل خُرُوجهمْ مِنْهَا بالندم وَالِاسْتِغْفَار وَقَالَ لبني إِسْرَائِيل عاقبوا أبدانكم بذنوبكم فَاقْطَعُوا مِنْهَا كَذَا وَتَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا على أبوابكم وَقَالَ لنا تُوبُوا إِلَى الله أَي ارْجعُوا إِلَيّ بقلوبكم فِيمَا بيني وَبَيْنكُم وَقَالَ لَهُم قُولُوا حطة أَي حط عَنَّا وَقَالَ لنا قُولُوا اغْفِر لنا
فجوهر هَذَا الْكَلَام غير ذَلِك وَإِنَّمَا صَار هَذَا هَكَذَا لِأَن كَلَام كل قوم عِنْد رَبهم على مَا هم عَلَيْهِ فبنو إِسْرَائِيل لم يكن عِنْدهم من الْيَقِين مَا عِنْد هَذِه الْأمة فَلَمَّا أذنبوا قيل لَهُم قُولُوا حطة وَهَذِه الْأمة بِفضل يقينها استحيت من الله تَعَالَى من الذَّنب الَّذِي يعمله وَكَأَنَّهُ رأى نَفسه خَارِجا من ستر الله عُريَانا فَأعْطى الْكَلِمَة الَّتِي تكون دَوَاء لما حل بِهِ فَقيل لَهُ قل إغفر فَمن استحيا من ذَنبه وَرَأى نَفسه عَارِيا بَين يَدي الله تَعَالَى قيل لَهُ قل اغْفِر وَمن عجز عَن رُؤْيَة هَذَا قيل لَهُ قل حطة وَصَارَت صَدَقَاتهمْ عودا بهَا على فقرائهم فطابت نُفُوسهم بِمَا رَأَوْا على فقرائهم من فَضلهمْ وسكنت قُلُوبهم على الصَّدقَات أَنَّهَا تصير إِلَى الله