أُمُورهم كلهَا للآخرة لِأَنَّهَا صَارَت لله تَعَالَى وَقد مَاتَت نُفُوسهم عَن أَن تَأْخُذ بحظها من الْأَعْمَال وحيت قُلُوبهم بِاللَّه تَعَالَى فَاسْتَوَى عِنْدهم عمل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَحُقُوق الله تَعَالَى وَحُقُوق النَّاس فَصَارَت كلهَا حُقُوق الله تَعَالَى عِنْدهم وَلِهَذَا كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي وَهُوَ حَامِل أُمَامَة بنت زَيْنَب فَإذْ سجد وَضعهَا وَإِذا قَامَ رَفعهَا
وروى شَدَّاد بن الْهَادِي عَن أَبِيه قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إِحْدَى صَلَاتي الْعشَاء وَهُوَ حَامِل إِحْدَى ابْني ابْنَته الْحسن أَو الْحُسَيْن فَتقدم فَوَضعه عِنْد قدمه الْيُمْنَى ثمَّ صلى فَسجدَ بَين ظهراني صلَاته سَجْدَة أطالها قَالَ أبي فَرفعت رَأْسِي من بَين النَّاس وَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ساجد وَإِذا الْغُلَام على ظَهره فعدت فسجدت فَلَمَّا قضى صلَاته قيل يَا رَسُول الله لقد سجدت سَجْدَة مَا كنت تسجدها أفشيء أمرت بِهِ أم كَانَ يوحي إِلَيْك قَالَ كل لم يكن وَلَكِن ابْني ارتحلني فَكرِهت أَن أعجله حَتَّى يقْضِي حَاجته
وَعَن عَلْقَمَة قَالَ قدم وَفد ثَقِيف على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُمْ هَدِيَّة فقبضها ثمَّ جَلَسُوا وشغلوه بِالْمَسْأَلَة فَمَا صلى الظّهْر إِلَّا عِنْد الْعَصْر فالأنبياء والأولياء المقربون عَلَيْهِم السَّلَام قد تخلصوا من نُفُوسهم فأعمالهم خَالِصَة لله تَعَالَى دنيا كَانَت أَو آخِرَة حق الله تَعَالَى كَانَ أَو حق النَّاس لِأَن الْأُمُور قد صَارَت لَهُم مُعَاينَة بِنور يقينهم وَعَلمُوا أَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لله تَعَالَى وَأَن حق النَّاس هُوَ حق الله تَعَالَى أوجبه عَلَيْهِم وهم فِي قَبْضَة الله تَعَالَى يستعملهم فِي أُمُور دنياهم وأخراهم وحقوقه وَحُقُوق النَّاس كَيفَ شَاءَ وَقد فارقهم المقتصدون فِي ذَلِك لأَنهم قد احتاجوا إِلَى تَقْدِيم الْأَمريْنِ وتمييز الْحَقَّيْنِ لأَنهم لما يفارقوا