قَالَ عَليّ كرم الله وَجهه فِي وصف الشَّيْخَيْنِ أَن أَبَا بكر كَانَ أَواه الْقلب منيبا وَأَن عمر كَانَ عبدا ناصحا لله تَعَالَى فنصحه
فالأواه لَا يُمَيّز بَين الْأَمريْنِ لِأَنَّهُمَا كلهما لله تَعَالَى وَلَيْسَ فيهمَا ذكر النَّفس والناصح لله عبد تفرد لله تَعَالَى بِقِيَام حُقُوقه فَكلما اجْتمع أَمْرَانِ للنَّفس فِي أَحدهمَا نصيب آثر الَّذِي لَا نصيب لَهَا فِيهِ وَبَدَأَ بِهِ فَفعل عمر رَضِي الله عَنهُ فِي الظَّاهِر فعل الْمُقْتَصِدِينَ وَفِي الْبَاطِن من المقربين لِأَن المقربين صنفان صنف مِنْهُم قد انفردوا فِي فردانيته فخلت قُلُوبهم من ذكر نُفُوسهم وَالله تَعَالَى يستعملهم ووحدانيته تملك قُلُوبهم وَهَذِه صفة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وصنف مِنْهُم لم يصلوا إِلَى هَذِه الخطة قد انْكَشَفَ على قُلُوبهم من جلال الله تَعَالَى وعظمته مَا مَلَأت قُلُوبهم من هيبته فهم القائمون على نُفُوسهم فَلَا يدعونها تلحظ إِلَّا إِلَى حق فَالْحق يستعملهم والهيبة تملك قُلُوبهم وَعمر رَضِي الله عَنهُ مِنْهُم
روى كَعْب بن مَالك أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ أَتَى من الْيمن بِثَلَاثَة سيوف أَحدهَا محلي فَقَالَ ابْنه عبد الله بن أبي بكر مر لي بِهَذَا السَّيْف الْمحلي فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَهُوَ لَك فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ بل إيَّايَ فاعطني فَقَالَ أَبُو بكر فَأَنت أَحَق بِهِ فَأَخذه عمر رَضِي الله عَنهُ فَانْقَلَبَ عمر بِالسَّيْفِ إِلَى منزله فراح وَقد جعل حلية السَّيْف فِي ظَبْيَة والنصل مَعَه فَقَالَ عمر يَا أَبَا بكر اسْتَعِنْ بِهَذِهِ الْحِلْية على بعض مَا يعروك وَرمى بالنصل إِلَى عبد الله ابْن أبي بكر وَقَالَ وَالله مَا صنعت هَذَا نفاسة عَلَيْك يَا أَبَا بكر وَلَكِن للنَّظَر لَك فَبكى أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ يَرْحَمك الله يَرْحَمك الله
دق عِنْد أبي بكر شَأْن ذَلِك السَّيْف وحليه فَلم يظْهر على قلبه قدر ذَلِك فَاسْتَوَى عِنْده سُؤال وَلَده وسؤال الْأَجْنَبِيّ فأنعم ثمَّ لما