الزّهْد الْقلَّة فالزاهد قلت فِي عينه الدُّنْيَا بِمَا فتح لَهُ من الْغَيْب فَرَأى الْآخِرَة ببصر قلبه فاستقل هَذِه وتهاون بهَا وشخص بَصَره إِلَى ضَامِن الرزق الَّذِي ضمن لَهُ رزقه ووثق بضمانه وَصَارَ هَذَا الَّذِي فِي يَده كَأَنَّهُ أودع وَدِيعَة وكل بحفظها على نَوَائِب الْحق لينفقها هُنَاكَ وَضَمان الرب لعَبْدِهِ الرزق لَهُ أوكد عِنْده وَأعظم شَأْنًا من أَن يتْلف مِمَّا فِي يَده وَيكون ثَوَاب الْمُصِيبَة آثر عِنْده من أَن لَو بَقِي عِنْده ذَلِك الشَّيْء لِأَن الشَّيْء من الدُّنْيَا وَقد دق فِي عينه وَالثَّوَاب من الْآخِرَة وَقد عظم فِي عينه
فَأَما من لم يفتح بَصَره فِي الْآخِرَة وَعظم قدر الدُّنْيَا فِي عينه حَتَّى وجد شَيْئا مِنْهَا إحتدت مخاليبه فِيهَا وعلق قلبه بهَا وَلم يستبن عِنْد قلبه ضَمَان الرزق وَكلما ذكر الْفقر أَو حبس فِي نَفسه خيفة فركن إِلَى مَا فِي يَده فَهَذَا وان جَانب الدُّنْيَا وَلبس المسوح وَأكل الْحَشِيش فَلَيْسَ بزاهد إِنَّمَا هُوَ متزهد يتَكَلَّف الزّهْد بجوارحه
وَقَوله وَلَا يبلغ العَبْد حَقِيقَة الْإِيمَان حَتَّى يعلم أَن مَا أَصَابَهُ لم يكن ليخطئه فالموحدون كلهم يعلمُونَ هَذَا علم اللِّسَان وَلَكِن لَا تَسْتَقِر قُلُوبهم مَعَ هَذِه الْكَلِمَة وَلِهَذَا يفرون من الْمَخْلُوق فِرَارًا فِيهِ عصيان الله تَعَالَى فَأَما أهل الْيَقِين فقد اسْتَقر هَذَا الْعلم فِي قُلُوبهم وانشرحت بِهِ صُدُورهمْ فَكَانُوا فِي النوائب كرأي الْعين أَن هَذَا الَّذِي نَاب قد كَانَ فِي سَابق الْعلم ثمَّ تصور عِنْدهم كَونه فِي اللَّوْح مسطورا فاستقرت نُفُوسهم لعلم يقينهم بذلك فَهَذَا حَقِيقَة الْإِيمَان
وَأما حَقِيقَة الْإِخْلَاص فَأن يَنْفِي عَن قلبه وصدره حب المحمدة وَالثنَاء وَيكون مخلصا لله تَعَالَى فِي أُمُور يعملها من أَعمال الْبر وَذَلِكَ لِأَن النَّفس تحب المحمدة وَالثنَاء لينفذ قَوْله وينال نهمته فِي دُنْيَاهُ من خلقه وَيَقُول بِلِسَان التَّوْحِيد هَذَا كُله من الله تَعَالَى ثمَّ ترَاهُ مُعَلّق الْقلب بخلقه طامعا فِيمَا لديهم غير نَاجٍ من التزين والترايئ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute