وعد الْمَغْفِرَة والتضعيف وَقَالَ فِي مَوضِع آخر {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لَهُ أضعافا كَثِيرَة}
وَالْكثير من الله تَعَالَى لَا يُحْصى وَالْقَرْض زَائِد على الْجَمِيع فِي الِاسْم الَّذِي سمي بِهِ وَالشّرط الَّذِي علق بِهِ فَقَالَ تَعَالَى {يقْرض الله قرضا حسنا}
فالقرض هُوَ الْقطع وَسمي بالمقراض لِأَنَّهُ يقطع بِهِ الشَّيْء اللاصق بالشَّيْء وَلَيْسَ مِنْهُ وَإِنَّمَا يحسن قرضه إِذا قرضه من أَصله قرضا لَا يبْقى هُنَاكَ شئ فَإِذا أقْرض الشَّيْء الَّذِي قد لصقت شَهْوَته ومحبته بِالْقَلْبِ وَصَرفه إِلَى نوع من أَنْوَاع الْبر فقد قرض محبته من قلبه لِأَنَّهُ قد فَارقه ملكا وَأخرجه إِلَى ملك غَيره فَأَما إِذا أعْطى وعَلى قلبه كَرَاهَة الْإِعْطَاء وعسره فقد قطعه وَبَقِي هُنَاكَ شَيْء فَلم يستأصله وَإِذا أعْطى وانتظر الْخلف وَالثَّوَاب فقد شخصت عَيناهُ إِلَى محبَّة شَيْء هُوَ أعظم من الَّذِي أعْطى فقد أَنْهَك الْقطع وَقصر فِيهِ وَهَذَا لِأَن الله تَعَالَى ابتلى الْعباد بِمَا أَعْطَاهُم من الدُّنْيَا ثمَّ سَأَلَهُمْ مِنْهَا بعد إِذْ ولجت لَذَّة مَنَافِعه قُلُوبهم محنة لسرائرهم فَمن أسكرته لَذَّة هَذِه الْمَنَافِع فقد سكرت عُقُولهمْ عَن الله تَعَالَى فَصَارَت فتْنَة لَهُم فَإِن أعْطى كرها أَو أعْطى على طمع ثَوَاب أَو خلف لم تصف عطيته وَإِنَّمَا تصفو إِذا أعْطى ربه عَطاء لَا تتبع نَفسه الْعَطِيَّة وَلَا تنْتَظر الْخلف مِنْهَا وَلَا الثَّوَاب عَلَيْهَا عَطاء من كَانَ الشَّيْء عِنْده بأمانة فَإِذا اسْتردَّ اغتنم ذَلِك مِنْهُ وتسارع إِلَى ردهَا وَلَا يقوى على هَذِه الخطة إِلَّا أهل الْيَقِين وهم المقربون السَّابِقُونَ لِأَن الْأَشْيَاء عِنْدهم عواري وودائع قبلوها عَن الله تَعَالَى بقلوبهم وأمسكوها لله تَعَالَى على نَوَائِب حُقُوقه وَقد سقط عَن قُلُوبهم قدر الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وولجت قُلُوبهم عَظمَة الله تَعَالَى