بِهِ فتح لَهُ الْحق وَطلب مِنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ شكرا لنعمه فَأخذ بأصغرها فاستفرغت عمله فَعندهَا انْكَشَفَ لَهُ الغطاء عَن شَأْن الْمِنَّة وَالنعْمَة وقدرهما فَطلب النِّعْمَة وَالرَّحْمَة وَهَذَا عبد لم يفقه إِذْ لَو فقه وَكَانَت لَهُ عبَادَة الثقلَيْن عمر الدُّنْيَا لم يلحظ إِلَيْهَا أَنه عمل شَيْئا وَلم يوازن ذَلِك أَصْغَر نعْمَة من نعم الله تَعَالَى
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا عبد الله بِمثل الْفِقْه وَقَالَ من أَرَادَ الله بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين وَلَو كَانَ جريج الراهب فَقِيها لعلم أَن إِجَابَة أمه من عبَادَة ربه تَعَالَى
وَأما العَبْد الثَّانِي فَهُوَ عبد رعى نَفسه وَعجز عَن رِعَايَة الْحق سُبْحَانَهُ فَمن رعى نَفسه فَإِنَّمَا عمله حفظ جوارحه وَأَدَاء فَرَائِضه ائتمارا لأَمره وتناهيا عَن نَهْيه لِئَلَّا يهْلك نَفسه فَلذَلِك صَار للنَّاس سلما وَلم يدر أَن فِي رِعَايَة الْحق نجاة نَفسه والراعي للحق انْكَشَفَ لَهُ الغطاء عَن جَلَاله وعظمته فاشتعلت الحرقات فِي جَوْفه حبا لَهُ وشغوفا بِهِ حَتَّى أَدَّاهُ ذَلِك إِلَى مَعْرفَته فَامْتَلَأَ قلبه من جلال الله وعظمته فوالى أولياءه وعادى أعداءه مُوَافقَة لَهُ كَمَا أَن من حل من قَلْبك محلا ترى الدُّنْيَا بِهِ فيهيج حبك لَهُ أَن تحب من أحبه وتعادي من عَادَاهُ وَهَذَا من بُلُوغ العَبْد ذرى الْإِيمَان