فحب الثَّنَاء وَحب المحمدة هِيَ الشَّهْوَة الْخفية وَهِي من أقوى الْأَشْيَاء فِي الْآدَمِيّ يبْقى ذَلِك فِي الْعمَّال والقراء والزهاد والورعين فهم مِنْهُ فِي جهد وَهَذَا الَّذِي حملهمْ على الاختفاء والهرب من الْخلق وإخفاء الْعَمَل وكتمان الْأَشْيَاء الَّتِي يكرمهم الله تَعَالَى بهَا مَخَافَة التزين والمباهاة فِي الْأَقْوَال فَمن أشْرب حب الله قلبه شربة أسكرته عَن الدَّاريْنِ وَعَن الْخلق فطارت هَذِه المحبات عَنهُ وَزَالَ عَنهُ حب المحمدة وَالثنَاء وَرفع الْمنزلَة عِنْد الْخلق وَذهب باله وَنسي هَذَا كُله وَلَا يبْقى على قلبه إِلَّا عَظمَة الله تَعَالَى وجلاله إِذْ أشرق الصَّدْر بنوره فَامْتَلَأَ من عَظمته وَلَزِمتهُ هيبته وهاجت هوائج الْمحبَّة لَهُ والشوق إِلَيْهِ وَظهر الوله والحنين فِيهِ فَحِينَئِذٍ تَمُوت هَذِه الْأَشْيَاء مِنْهُ وَيحيى قلبه بِهِ وَلَا يخَاف فِي الله لومة لائم فَإِذا ترقى من هَذِه الدرجَة إِلَى الدرجَة الْعُظْمَى فَانْفَرد بوحدانيته وبهت فِي جماله وجلاله واستولت على قلبه هيبته افْتقدَ ذكر هَذَا كُله من نَفسه فَيصير فِي قَبضته مستعمله فِي أُمُوره معتزا بِهِ بِهِ يقوم وَبِه يقْعد وَبِه يتَصَرَّف فِي الْأَحْوَال
وَهَذَا السَّائِل الَّذِي سَأَلَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السَّاعَة من جُمْلَتهمْ وَلِهَذَا روى أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي آخر الحَدِيث كم من بدوي من رجال الله وخاصته لَا يعرف وَلَا يؤبه بِهِ
وَقَالَ ثَابت الْبنانِيّ رَضِي الله عَنهُ لَا تسخروا من أحد وَلَا تستهزءوا من أحد فَإِن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ حَدثنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بِالبَقِيعِ فَإِذا هُوَ باعرابي أعمش الْعَينَيْنِ خَمش الذراعين دَقِيق السَّاقَيْن عَلَيْهِ شملتان وَمَعَهُ عكة من سمن يَبِيعهَا فجَاء جبرئيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله هَذَا زَاهِر